انتقام قريش من الأنصار
انتقام قريش من الأنصار
زهير جمعة المالكي
بعد فتح مكة ادركت قريش ان مكانتها وهيبتها قد ذهبت وان الامر قد خرج من
بين أيديهم . فقريش إذ لم ترغب
بإعلان رفضها لسلطة مُحَمَّدٍ بشكل مباشر ، إلاّ أنّها لم تستطع كبح جِماح سخطها فاتجهوا الى الانتقام من الذين كانوا أدوات هذا
الدين وهم ثلاثة أصناف الأنصار من الاوس والخزرج وبني هاشم اسرة محمد وعشيرته
والاصحاب الذين حاولوا الحفاظ على دين محمد نقيا كما انزله الله فقد جاء في كتاب: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار المؤلف: محمد بن عبد الله بن
أحمد الأزرقي أبو الوليد ، المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ، الناشر: مكتبة الأسدي ، سنة النشر: 1424 – 2004 الصفحة 384 " وأخبرني جدي عن محمد بن إدريس الشافعي ، عن الواقدي عن أشياخه ، قالوا
: « جاءت الظهر يوم الفتح فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يؤذن
بالظهر فوق ظهر الكعبة ، وقريش فوق رءوس الجبال وقد فر وجوههم وتغيبوا خوفا
أن يقتلوا فمنهم من يطلب الأمان ، ومنهم من قد أومن فلما أذن بلال رفع صوته كأشد
ما يكون قال : فلما قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، تقول جويرية بنت أبي جهل : قد
لعمري رفع لك ذكرك ، أما الصلاة فسنصلي ، ووالله ما نحب من قتل الأحبة أبدا ، ولقد
جاء إلى أبي الذي كان جاء إلى محمد من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه ، وقال خالد
بن أسيد : الحمد الله الذي أكرم أبي فلم يسمع بهذا اليوم ، وكان أسيد مات قبل
الفتح بيوم ، وقال الحارث بن هشام : واثكلاه ليتني مت قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق
الكعبة ، وقال الحكم بن أبي العاص : هذا والله الحدث الجليل أن يصبح عبد بني جمح
ينهق على بنية أبي طلحة "
مع بداية ظهور
اعراض الموت على رسول الله بدات مخاوف الأنصار من اضطهاد التي يمكن ان يتعرضوا له
فبداوا يبحثون عن أنواع الحماية فكان اول ملجاء لهم هو رسول الله فيروي اسيد ابن
حضير زعيم الاوس في المدينة كما جاء في
صحيح النسائي الحديث رقم 5398 والذي صححه الالباني " أن رجلاً من الأنصارِ
جاء رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم فقال: ألا تستعملني كما استعملتَ فلانًا؟
قال إنكم ستلقون بعدي أثَرَةً فاصبروا، حتى تلقوني على الحوضِ" وكذلك حاول
الرسول في اخر خطبة له ان يوصي بالانصار في وصيته للمهاجرين بالأنصار كما وردت في
كتاب السيرة النبوية (ابن هشام) تاليف عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري
، تحقيق عمر عبد السلام تدمري منشورات دار الكتاب العربي سنة النشر: 1410 – 1990 ، تمريض رسول الله في بيت عائشة ، وصية الرسول
بالأنصار الجزء الرابع الصفحة 300 "أما
بعد يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيراً، فإن الناس يزيدون وإن الأنصار على
هيئتها لا تزيد، وانهم كانوا عيبتي التي أويت اليها، فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا
عن مسيئهم". .
لكن مجرى
الاحداث وحصار بني هاشم داخل بيت النبي ومنعهم من تشييع ودفن الرسول لثلاثة أيام زادت
من مخاوف الأنصار بعد ان فقدوا الزعامة الروحية التي كانت تحميهم من ثارات قريش
لذلك فعندما اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة كان لسان حالهم يعبر عنه “سعد بن عبادة” ،
كما يروي محمد أمين بن عمر عابدين في
كتابه (رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) تحقيق عادل أحمد عبد
الموجود - علي محمد معوض الناشر: عالم الكتب سنة النشر: 1423 – 2003 الجزء الثاني : الصلاة الصفحة 270 في خطبته يا معشر الأنصار إن لكم
سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن رسول الله لبث في قومه
بضع عشر سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمان وخلع الأوثان فما امن به من قومه إلا قليل
والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا…..حتى أراد لكم الله الفضيلة وخصكم بالنعمة
ورزقكم الإيمان به وبرسوله ص ….ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله تعالى وهو راض
عنكم قرير العين فشدوا أيديكم بهذا الأمر فإنكم أحق الناس وأولاهم به" . بالنسبة
للأنصار كانت مسألة خلافة النبي محسومة ومعروفة يقول ابن
الاثير في كتابه الكامل في التاريخ ، تحقيق أبو الفداء عبد الله القاضي منشورات دار الكتب العلمية ، سنة النشر: 1407 – 1987 ، الجزء
الثاني الصفحة 189 " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني
ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة: فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر، وأبو عبيدة بن الجراح فقال: ما
هذا؟ فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منا الأمراء ومنكم الوزراء. ثم
قال أبو بكر: قد رضيت لكم أحد فذين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمة. فقال
عمر: أيكم يطيب نفسا أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه
عمر وبايعه الناس. فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا. قال: وتخلف
علي، وبنو هاشم، والزبير؛ وطلحة عن البيعة وقال الزبير: لا أغمد سيفا حتى
يبايع علي. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر، ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة"
. وذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري - ج 7 الصفحة 31 تحقيق
عبد العزيز بن عبد الله بن باز - محمد فؤاد عبد الباقي - محب الدين الخطيب منشورات
المطبعة السلفية ومكتبتها – القاهرة , الطبعة الأولى "قال فيه ان الأنصار
قالوا أولا نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الأنصار
فإذا مات اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك ابدا فيكون أجدر ان يشفق القرشي
إذا زاغ ان ينقض عليه الأنصاري وكذلك الأنصاري قال فقال عمر لا والله لا يخالفنا
أحد الا قتلناه فقام حباب بن المنذر فقال كما تقدم وزاد وان شئتم كررناها جذعة أي
أعدنا الحرب قال فكثر القول حتى كاد ان يكون بينهم حرب فوثب
عمر فأخذ بيد أبي بكر
فصرخ "الحباب بن المنذر: "يا
معشر الأنصار أنتم أهل الايواء والنصرة، واليكم كانت الهجرة، وأنتم أصحاب الدار
والإيمان وأنتم أحق بهذا الأمر فإن باسيافكم دان الناس بهذا الدين". . ولكن أبا بكر استطاع أن يوقظ العصبية القبلية الكامنة في نفوس فريقي
الأنصار من الأوس والخزرج حين قال مخاطباً الأنصاركما جاء في كتاب البَيان و
التَبْيين ، أبي عُثمان عَمْرو بن بَحر الجَاحِظ ، تحقيق : د. دَرويش جوَيْديِ ،
المكتبة العَصْريَّة ، صَيدا ـ بَيروت ، ط 1 ، 1420 / 1999 م ، ص 560 .: "إن هذا الأمر إن تطاولت إليه الخزرج لم تقصر عنه الأوس، وان
تطاولت إليه الأوس لم تقصر عن الخزرج. وقد كان بين الحيين قتلى لا تنسى وجراح لا
تداوى، فان نعق منكم ناعق فقد جلس بين لحيي اسد يضغمه المهاجري ويجرحه الأنصاري".
وهذا ما جعل الأنصار ينقسمون الى فريقين ويندفع اسيد بن حضير سيد الأوس يقول
لأصحابه: "والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت بهم عليهم بذلك الفضيلة
ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً". ففي سقيفة بني ساعدة إذن برزت العصبية القبلية في نفوس جماعتي الأنصار
(من الأوس والخزرج) والتي لم يستطع الإسلام محوها نهائياً. فقد انقسم الأنصار وقام
بشير بن سعد وكان حاسداً لسعد بن عبادة وكان من سادة الخزرج فقال: "يا معشر
الأنصار، إنا والله لئن كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين؛ ما
أردنا به إلاّ رضا ربنا وطاعة نبينا؛ والكدح لأنفسنا؛ فما ينبغي لنا أن نستطيل على
الناس بذلك، ولا نبتغي به من الدنيا عرضا؛ فإن الله ولي المنة علينا بذلك؛ الاّ ان
محمداً (صلعم) من قريش، وقومه أحق به وأولى. وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا
الأمر أبداً فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم".
ومن ثم بادر
بشير بن سعد فبايع أبا بكر ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد قام اسيد بن حضير
وهو رئيس الأوس فبايع سعداً بدافع الحسد والمنافسة فبايعت الأوس كلها لما بايع
اسيد.ولم يغب عن أبي بكر أن الدافع للأنصار للقيام بهذه الحركة هو عامل
الخوف فلمح في خطبته إلى ما يقتلع هذا الوهم من أنفسهم ويبعث الأمن والطمأنينة في
نفوسهم حين قال: "وأنتم يا معشر الانصار من لا ينكر فضلكم في الدين ولا
سابقتكم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله انصاراً لدينه ورسوله، وجعل اليكم هجرته،
وفيكم جلة أزواجه واصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم؛ فنحن
الأمراء وانتم الوزراء لا تُفتاتون بمشورة، ولا تقضى دونكم الأمور".
ان الأنصار كانوا
ميالين الى مبايعة علي ابن ابي طالب وهذا ما اكدوه حتى بعد بيعة ابي بكر كما يروي
الطبري في تاريخه وذهبوا الى منطقة في المدينة يقال لها السقيفة. السقيفة هي ساحة
في المدينة المنورة . يروي ابن الاثير في كتابه الكامل في التاريخ ، تحقيق أبو
الفداء عبد الله القاضي منشورات دار الكتب
العلمية ، سنة النشر: 1407 – 1987 ، الجزء الثاني الصفحة 192 يقول عمر ابن الخطاب "حين توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإن عليا، والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت
فاطمة وتخلف عنا الأنصار واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له: انطلق بنا إلى
إخواننا من الأنصار. يقول ابن الاثير في الكامل في التاريخ " وسمع عمر الخبر
فأتى منزل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فيه فأرسل إليه أن اخرج
إلي فأرسل إليه إني مشتغل، فقال عمر: قد حدث
أمر لا بد لك من حضوره فخرج إليه فأعلمه الخبر، فمضيا مسرعين نحوهم، ومعهما أبو
عبيدة .
لقد كان من الضروري ان يتم زرع الفتنة بين الأنصار ليسهل
السيطرة عليهم وهنا يبرز دور بشير ابن سعد الانصاري وهو اعلم الناس بالخلافات بين
الاوس والخزرج فتم استغلال كون سيد الخزرج سعد ابن عبادة مريضا ويستقبل زواره في
سقيفة بني ساعدة وقد كانت سقيفة بني ساعدة كبيرة بحيث اجتمع فيها عدد كبير من الأنصار، وأمامها رحبة واسعة
تتسع لهذا العدد إن ضاقت عنهم السقيفة نفسها، وكان بقربها بئر لبني ساعدة .
في هذا الاثناء
حضرت الاوس بقيادة اسيد ابن حضير لقد جلس الجميع واطمأنوا على صحة المريض سعد بن
عبادة ومن غير المستبعد أن الجميع قد تطرقوا إلى عصر ما بعد النبوة ، ويجمع
المؤرخون أن الحضور قد قالوا لسعد بن عبادة أن الأمر لك ، فما كنت فاعلا فلن نعصي
لك أمرا ، بمعنى أن سعد بن عبادة يتولى توجيه الأنصار إلى ما يمكن عمله وكيف يتم
ذلك ، وليس المقصود تولية سعد خليفة على المسلمين ، فلو أن المقصود تولية الخلافة
لسعد لبايعه الحاضرون خليفة لكن الأنصار الذين بايعوا رجلا منهم، وهذا ما ورد في كتاب الامامة
والسياسة - ابن قتيبة الدينوري تحقيق الأستاذ علي شيري منشورات دار الأضواء للطباعة
والنشر والتوزيع بيروت لبنان الطبعة الأولى سنة 1990 الجزء الأول الصفحة 27 "فقام
الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل يضرب بثوبه
وجوههم، حتى فرغوا من البيعة، فقال: فعلتموها يا معشر الأنصار، أما والله لكأني
بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء..." . سعد ابن عبادة يقول لعمر عندما اشتد الجدال في سقيفة بني ساعدة كما
يروي الطبري في تاريخه "قال هشام قال أبو مخنف فحدثني أبو بكر بن محمد
الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا ابا بكر فكان عمر
يقول ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر قال هشام عن أبي مخنف قال عبدالله بن
عبدالرحمن فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة فقال
ناس من أصحاب سعد اتقوا سعدا لا تطؤوه فقال عمر اقتلوه قتله الله ثم قام على رأسه
فقال لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك فأخذ سعد بلحية عمر فقال والله لو حصصت منه
شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة فقال أبو بكر مهلا يا عمر الرفق ها هنا أبلغ فأعرض عنه
عمر وقال سعد أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها
وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع
احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل
فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي
وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من
قومي فلا أفعل وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على
ربي وأعلم ما حسابي فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر لا تدعه حتى يبايع فقال له
بشير بن سعد إنه قد لج وأبى وليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده
وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد فتركوه
وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا
يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله
" . حدثنا عبيدالله بن سعد قال حدثنا عمي قال أخبرنا سيف بن عمر عن سهل وأبي
عثمان عن الضحاك بن خليفة قال لما قام الحباب بن المنذر انتضى سيفه وقال أنا
جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عريسة الأسد يعزى إلى الأسد فحامله
عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد وتتابع القوم على
البيعة وبايع سعد وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها وقال قائل حين
أوطئ سعد قتلتم سعدا فقال عمر قتله الله إنه منافق واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه " . . وبعد ان ادرك الحباب الموامر التي اشترك فيها بشير ابن سعد وبخه كما ورد
في تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، ل تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم منشورات دار المعارف سنة النشر: 1387 – 1967 الجزء 3 الصفحة 221 يذكر "فناداه الحباب
بن المنذر: يا بشير بن سعد، عقك عقاق ما اضطرك إلى ما صنعت؟ حسدت ابن عمك على
الإمارة؟ قال لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا لهم. فلما رأت الأوس ما صنع بشير
بن سعد وهو من سادات الخزرج، وما دعوا إليه المهاجرين من قريش، وما تطلب الخزرج من
تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير رضي الله عنه: لئن
وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة، لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم
نصيبا فيها أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه، فقاموا إليه فبايعوه
"
كانت حادثة
السقيفة هي اخر محاولة من الأنصار للمشاركة في بناء الدولة الجديدة فبعدها صدق
عليهم ما توقعه الحباب ابن المنذر فقد ابعد الأنصار بعدها عن المناصب الرسمية والقيادية
فتقاسمت بني امية وبني مخزوم قيادة الجيوش وتقاسمت قريش الولايات وحرم منها الأنصار
. وبالرغم من استكانة الأنصار للوضع الجديد كان لابد من التخلص من سيد الخزرج الذي
عارض سلطان قريش فابعد سعد ابن عبادة وقتل غيلة , يروي ابن عبد ربه، صاحب
"العقد الفريد"، ثلاث روايات عن حادثة مقتل سعد، إحداها تفيد بضلوع
الخليفة عمر في مقتله، فيروي عن أبي المنذر هشام بن محمد الكلبي: "بعث عمر
رجلاً إلى الشام، فقال: ادعه إلى البيعه واحمل له بكل ما قدرت عليه، فإن أبى
فاستعن الله عليه، فقدم الرجل الشام، فلقيه بحوران في حائط، فدعاه إلى البيعة،
فقال: لا أبايع قرشياً أبداً! قال فإني أقاتلك! قال وإن قاتلتني! قال: أفخارج أنت
مما دخلت فيه الأمة؟ قال: أما من البيعة فأنا خارج. فرماه بسهم فقتله". ويروي
البلاذري في كتابه جمل من أنساب الأشراف ،
تحقيق الدكتور سهيل زكار الجزء الثاني الشمائل النبوية وأخبار الإمام علي بن أبي طالب
الصفحة 272 " عَنِ الْمَدَائِنِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ ، عَنْ صَالِحِ
بْنِ كَيْسَانَ ، وَعْن أَبِي مِخْنَفٍ ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا ،
أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ " لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ ، وَخَرَجَ إِلَى
الشَّامِ ، فَبَعَثَ عُمَرُ رَجُلا ، وَقَالَ : ادْعُهُ إِلَى الْبَيْعَةِ
وَاخْتَلْ لَهُ ، وَإِنْ أَبَى فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَيْهِ ، فَقَدِمَ
الرَّجُلُ الشَّامَ ، فَوَجَدَ سَعْدًا فِي حَائِطٍ بِحُوَارَيْنَ ، فَدَعَاهُ
إِلَى الْبَيْعَةِ ، فَقَالَ : لا أُبَايِعُ قُرَشِيًّا أَبَدًا ، قَالَ :
فَإِنِّي أُقَاتِلُكَ ، قَالَ : وَإِنْ قَاتَلْتَنِي ، قَالَ : أَفَخَارِجٌ أَنْتَ
مِمَّا دَخَلَتْ فِيهِ الأُمَّةُ ؟ ، قَالَ : أَمَّا مِنَ الْبَيْعَةِ فَإِنِّي
خَارِجٌ ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ " ، وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدًا رُمِيَ
فِي حَمَّامٍ ، وَقِيلَ : كَانَ جَالِسًا يَبُولُ ، فَرَمَتْهُ الْجِنُّ
فَقَتَلَتْهُ ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ : قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَهْ رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَهْ " .
حتى في عهد “عمر
بن الخطاب”، فرغم أن عدد الولاة في عهده بلغ بسبب الفتوحات واتساع رقعة
الدولة ثلاثون واليا، طيلة العشر سنوات التي قضاها في الحكم، فإننا لا نجد
إلا واليا واحدا من الأنصار، هو “عمير بن سعد”، الذي ينتمي إلى قبيلة
“الأوس” التي حالفت قريش في “بيعة السقيفة”، فيما لم يحظى “الخزرج” بأي منصب
واستمر التهميش السياسي “للأنصار” حتى في المشاورات الخاصة بانتقال السلطة، “فأبي
بكر” لم يستشر “الأنصار” في استخلاف “عمر بن الخطاب”، و”عمر” بدوره لم يدخل أي
صاحبي من “الأنصار” في “مجلس الشورى” الذي شكله من أجل اختيار خليفة المسلمين من
بعده، وتشكل هذا المجلس من 6 صحابة قرشيون هم : “علي ابن أبي طالب”، الزبير بن العوام”
“طلحة بن عبيدة الله”، “عثمان بن عفان” “سعد ابن أبي وقاص”، “عبد الرحمن بن عوف”. . كان هذا التهميش للأنصار
دافع لهم لعدم الدفاع عن عثمان ابن عفان عندما هاجمه الثوار في داره وقتله بل عدم
الاهتمام بدفنه حتى ان معاوية ابن عم عثمان عندما زار المدينة قرر الانتقام منهم
كما يذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى طبقات ابن سعد تحقيق علي محمد عمر منشورات مكتبة الخانجي سنة النشر: 1421 - 2001– الجزء
الثالث : الطبقة الأولى في البدريين من المهاجرين والأنصار، الصفحة 74 " أخبرنا محمد
بن عمر قال حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد
الله بن نيار الأسلمي قال لما حج معاوية نظر إلى بيوت أسلم شوارع في
السوق فقال أظلموا عليهم بيوتهم أظلم الله عليهم قبورهم قتلة عثمان
"
وعندما جاء “علي
ابن أبي طالب” إلى الخلافة بعد قتل عثمان، أرجع الأنصار الحياة السياسية، وكانوا
سنده الشرعي، على عكس بعض الصحابة من أصل قرشي الذين منهم من عارض سلطة
“علي” ،” كالزبير بن العوام” و”طلحة بن عبيدة الله”، لقد عين علي سبعة ولاة من
“الأنصار” هم “أبو أيوب الخزرجي”، “النعمان بن العجلان الخزرجي”، “أبو أمامة سهل
الأوسي”، “قدامة بن العجلان الخزرجي”، “سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي”، “عثمان بن
حنيف الأنصاري”، أما أبرز منصب حصل عليه “الأنصار” في عهد “علي” هو ولاية مصر التي
كانت تعتبر من أغنى الولايات في دولة الخلافة، حيث عين على رأسها الأنصاري “قيس”
وهو ابن “سعد بن عبادة”.
. كما شكل الأنصار النواة الصلبة لجيش “علي ” الذي واجه به التمرد السياسي في
عهده، وإن كانت الروايات لا تتفق على رقم محدد فنجد عند ثمانمائة من الأنصار
حسب خليفة بن خياط ً ص 154 وقال سعد بن إبراهيم الزهري : حدثني رجل من أسلم، قال :
كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة، وقال سعد وفي حرب "صفين"، وقف الأنصار
إلى جانب “علي”، بينما وقف أغلب قادة قريش إلى جانب "معاوية"، إلى أن تم
اغتيال علي ابن ابي طالب ، فأصيبت قضية الأنصار في مقتل. هذه الخسارة جاءت في ظرف مختلف عن خسارتهم الأولى بعد مقتل الرسول
فقد عرف الأنصار ان خسارتهم هذه المرة هي العودة الى التهميش والانزواء لذلك قاموا
بطرد والي المدينة “عثمان بن محمد” بن ومن معه من بني أمية، وعينوا واليا بديلا
منهم، هو عبد الله بن حنظلة الأنصاري . لكن رد الفعل الأموي حيال تمرد “الأنصار”
كان عنيفا ودمويا . وهنا كانت وقعة الحرة .
وقد ذكر ابن كثير في كتابه البداية
والنهاية وقعة الحرة بالقول في سنة 63
هجرية سحق فيها جيش الشام تمرد المدينة واستباحها جنوده ثلاثة أيام بالقتل
والاغتصاب، حتى روى المؤرخون أن ألف امرأة حملت بسبب جنود يزيد اللذين وقعوا على
النساء، وقتل الكثير من أبناء الصحابة وكبار التابعين، ومن بقي من الرجال أكرهوا
على البيعة، باعتبارهم عبيدا وخولا ليزيد وبهذا ، خسر الأنصار معركتهم الأخيرة مع قريش
. كان سبب وقعة الحرة ، وكان سببها أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد ،
وولوا على قريش عبد الله بن مطيع ، وعلى الأنصار عبد
الله بن حنظلة بن أبي عامر وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي
، فلما كان في أول هذه السنة أظهروا ذلك ، واجتمعوا عند المنبر ، وجعل الرجل منهم
يقول : قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي هذه . ويلقيها عن رأسه ، ويقول
الآخر : قد خلعته كما خلعت نعلي هذه . حتى اجتمع شيء كثير من العمائم والنعال هناك
، ثم اجتمعوا على إخراج عامل يزيد من بين أظهرهم ، وهو عثمان بن
محمد بن أبي سفيان ابن عم يزيد ، وعلى إجلاء بني أمية من المدينة ،
قال : فبعث البريد إلى مسلم بن عقبة المري وهو شيخ كبير ضعيف ، فانتدب
لذلك ، وأرسل معه يزيد عشرة آلاف فارس وقيل : اثني عشر ألفا ونادى منادي يزيد بدمشق أن
سيروا على أخذ أعطياتكم كاملا ومعونة أربعين دينارا . قال [ ص: 616 ] المدائني : ويقال : في سبعة
وعشرين ألفا ; اثنا عشر ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل ، وأعطى كل واحد مائة دينار .
وقيل : أربعين دينارا . ثم استعرضهم يزيد وهو على فرس له وقال يزيد لمسلم بن عقبة "وإذا
ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، ثم اكفف عن الناس ، وقيل : إنه قال لمسلم بن عقبة : إذا
ظهرت عليهم فإن كان قتل من بني أمية أحد فجرد السيف ، واقتل المقبل والمدبر ،
وأجهز على الجريح وانهبها ثلاثا ، " وقد كان يزيد كتب إلى عبيد
الله بن زياد أن يسير إلى ابن الزبير ، فيحاصره بمكة ،
فأبى عليه وقال : والله لا أجمعهما للفاسق أبدا ، أقتل ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأغزو البيت الحرام ؟ ! وقد كانت أمه مرجانة قالت له حين
قتل الحسين : ويحك ! ماذا صنعت ؟ ! وماذا ركبت ؟ !ثم أباح مسلم بن عقبة الذي يقول فيه السلف : مسرف بن عقبة . قبحه الله المدينة ثلاثة
أيام كما أمره يزيد لا جزاه الله خيرا ، وقتل خلقا من أشرافها وقرائها ،
وانتهب أموالا كثيرة منها ، ووقع شر عظيم وفساد عريض.
قال المدائني : وأباح مسلم
بن عقبة المدينة ثلاثا ، يقتلون الناس ، ويأخذون الأموال . ووقعوا على
النساء حتى قيل : إنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج .قال المدائني ،
عن أبي قرة قال : قال هشام بن حسان :
ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من
غير زوج .قال المدائني عن شيخ من أهل المدينة قال : سألت الزهري : كم كان القتلى
يوم الحرة ؟ قال : سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ، ووجوه
الموالي ، وممن لا يعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف . قال : وكانت الوقعة لثلاث
بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام .قال الواقدي وأبو
معشر : كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي
الحجة سنة ثلاث وستين . وقد رويت قصة الحرة على غير ما رواه أبو مخنف فحدثني أحمد
بن زهير ، ثنا أبي ، سمعت وهب بن جرير ، ثنا جويرية بن أسماء قال
: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما حضرته الوفاة دعا ابنه يزيد فقال
له : إن لك من أهل المدينة يوما ، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه
رجل قد عرفت نصيحته . فلما هلك معاوية وفد إليه وفد من أهل المدينة ،
وكان ممن وفد عليه عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر -
وكان شريفا فاضلا سيدا عابدا - معه
ثمانية بنين له ، فأعطاه مائة ألف درهم ، وأعطى بنيه ، كل واحد منهم عشرة آلاف سوى
كسوتهم وحملانهم ، فلما قدم المدينة عبد الله بن حنظلة أتاه الناس
فقالوا : ما وراءك ؟ قال : جئتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته
بهم ، فدخل مسلم بن عقبة المدينة ، فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد
بن معاوية ، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء
.وقد أراد يزيد بإرسال مسلم بن
عقبة توطيد سلطانه وملكه ، ودوام أيامه ، فعاقبه الله بنقيض قصده ، فقصمه
الله قاصم الجبابرة ، وأخذه أخذ عزيز مقتدر.
تعليقات
إرسال تعليق