أكاذيب لابد من كشفها 4 – اكذوبة صلوا كما رايتموني اصلي
الدكتور زهير جمعة المالكي
عند طرح موضوع حجية
(الاحاديث ) المنسوبة للنبي دائما ما يقوم المدافعين عن تلك الاحاديث بترديد موضوع
ان الصلاة انما فصلتها الاحاديث ولم يتم ذكرها في القران ولذلك فبدون الاحاديث لايمكن
ان يعرف المسلم كيف يصلي . وبالرغم من الحقيقة التي ثبتت من مراجعة الاحاديث انه لايوجد
من الاحاديث الصحيحة بحسب مقاييس اهل الحديث حديث واحد كامل يصف فيها رسول الله كيفية
الصلاة لأصحابه كما نصليها فلا يوجد حديث واحد يبين قيام الرسول بتعليم أصحابه على
كيفية الصلاة وعدد ركعاتها بالصيغة التشريعية القولية الواجب البيان بها، وبصورة مباشرة
وواضحة كبيان الله تعالى لفرائض الوضوء تفصيلا . وبالرغم من ذلك يلجاء اهل الحديث الى
الادعاء ان الرسول قال (صلوا كما راءيتموني اصلي ) باعتباره حديث يبين كيفية الصلاة
. واليوم سنحاكم هذا الحديث بحسب مباني اهل الحديث
.
عند النظر في هذه الكلمات المنسوبة الى النبي (صلوا كما راءيتموني اصلي
) نجد انها جزء من حديث رواه من اسموه (مالك بن الحويرث ) وورد في كتاب البخاري ، كتاب
الاذان عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: {أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة وفي رواية وأقمنا عنده عشرين
ليلة، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا وفي رواية: فظنا أنا قد اشتهينا أهلنا وسألنا عمن
تركنا، فأخبرناه، فقال صلى الله عليه وسلم وكان رقيقاً رحيماً -وفي رواية- رفيقاً
-بالفاء- ارجعوا إلى أهلكم فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم}.
اذن مما تقدم فهذا
الحديث هو حديث احاد فلم يروى سوى عن المسمى (مالك ابن الحويرث ) وعن مالك هذا رواه
شخص واحد هو (أبو قلابة ) وقد ذكر هذا الحديث في البخاري كتاب الأذان، باب إذا استووا
في القراءة فليؤمهم أكبرهم، ومنها أيضاً في كتاب الأذان باب المكث بين السجدتين، وأول
موضع خرج البخاري فيه هذا الحديث: في كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن
واحد، وقد روى مسلم في صحيحه، في كتاب المساجد، باب الأحق بالإمامة، ورواه أبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وأيضاً رواه غير هؤلاء كثير فقد خرج الحديث أيضاً
البخاري نفسه في كتاب الأدب المفرد، والبيهقي في السنن، والطبراني في معجمه الكبير،
والدارقطني، وابن خزيمة، وابن حبان، وأبو عوانة في مستخرجه، والحاكم، والداراني، والشافعي،
والطحاوي، والبغوي، وابن أبي شيبة، وغيرهم . وكلهم رووه عن ابي قلابة عن مالك ابن الحارث
. فهل اتفقوا على كلمات الحديث ؟
لقد اختلف الرواة في كلمات الحديث بصورة واضحة وأول من ذكر الحديث بعدة
كلمات ومعاني هو البخاري فقد أورد البخاري الحديث في مواضع مختلفة من كتابه ، مسنداً
في بعضها، ومعلقاً في بعضها الآخر ، فمنها ما أخرجه في كتاب الأذان: حدثنا محمد ابن المثنى قال حدثنا
عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن (أبي قلابة)؟ قال حدثنا مالك "أتينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون.....ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم.
وذكر أشياء أحفظها، أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن
لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم". ولكنه في نفس كتاب الاذان يكرر الحديث ولكن بالفاظ
ومعاني مختلفه فيقول "أتيت النبي (صلى
الله عليه وسلم) في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة...". ثم يكرره في كتاب
الاذان أيضا بلفظ : " قدمنا على النبي (صلى الله عليه وسلم) ونحن شببة فلبثنا
عنده نحواً من عشرين ليلة، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) رحيماً، فقال: لو رجعتم
إلى بلادكم فعلمتموهم، مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا
حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" . وأخرجه أيضاً في مواضع أخرى
من صحيحه، ككتاب الأدب، وكتاب الآحاد، و ذكر الحديث تعليقاً في بعض المواضع ، كقوله
في كتاب "العلم": باب تحريض النبي وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم،
ويخبروا من وراءهم، وقال مالك بن الحويرث: قال لنا النبي (صلى الله عليه وسلم): ارجعوا
إلى أهليكم فعلموهم
وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، وجاء فيه “وكـان رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) رحيماً رقيقاً...”. وأخرجه أبو داود بنحوه في سننه، كتاب الصلاة.
ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى. وأخرجه النسائي في سننه، كتاب الأذان. والإمام
أحمد في مسنده ، وفي رواية عنده بلفظ “ فقال لنا: لو رجعتم إلى بلادكم -وكان رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) رحيماً- فعلمتموهم...”. وأخرجه أبو عوانة في مسنده، وجاء فيه:
“فقال لنا: لو رجعتم إلى بلدكم فعلمتموهم -أو قال: أمرتموهم- صلوا صلاة كذا وكذا في
حين كذا وكذا...”. وابن خزيمة في صحيحه . وابن حبان في صحيحه. وأخرجه البيهقي في السنن
الكبرى. مما تقدم نجد ان الكلمات التي نسبوها الى الرسول {صلوا كما رأيتموني أصلي
} لم يتم الاتفاق عليها بين الرواة بل لم اختلفت حتى في البخاري نفسه فنجدها في مواضع
قال: {فعلموهم، وصلوا} ولم يقل: {كما رأيتموني أصلي } . كما نراه يقول مرة ثالثه صلوا
(صلاة كذا في حين كذا ) ولم يبين لنا ماهي (كذا ) وما هو حين (كذا ) . اذا الحديث بالرغم
من انه حديث احاد فهو غير متفق عليه في الكلمات والمعاني . كما لم يذكر في جميعها
(صلوا كما رأيتموني اصلي ) .
قوله : “ونحن شببة
متقاربون” هكذا في رواية البخاري، وكذلك في رواية مسلم ، والنسائي، وأحمد، والبيهقي.
وجاء في بعض الروايات من دون ذكر (متقاربون) . وجاء في رواية للبخاري “في نفر من قومي”
ولم يذكر صفة الشبابً. قال ابن حجر: و(النفر) عدد لا واحد له من لفظه، وهو من ثلاثة
إلى عشرة، ووقع في رواية في الصلاة: “أنا وصاحب لي”. قوله : “فأقمنا عنده عشرين يوماً
وليلة” هكذا في رواية البخاري، وفي رواية أخرى عنده اقتصر على ذكر الليالي دون الأيام،وجاء
في رواية ثالثة من غير جزم بالمدة “نحواً من عشرين ليلة”. قوله: "وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه":
أي النبي سأل المذكورين. وفي رواية البخاري
الأولى والثالثة لم يذكر السؤال. وقوله: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم،
ومروهم" هكذا في رواية البخاري، وفي رواية له "لو رجعتم.
واذا نظرنا الى سند
الحديث نرى ان جميع من ذكروا الحديث رووه عن طريق (أبو قلابة ) وأبو قلابة هذا عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي ، قال عنه محمد
بن طلعت ، معجم المدلسين ، الناشر: دار أضواء السلف، الرياض – السعودية ، الطبعة: الأولى،
1426 هـ - 2005 م . الصفحة 270 . " قال العلائي: أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي
ذكر الذهبي في "الميزان" أنه كان يدلس عمن لحقهم ومن لم يلحقهم، وكان له
صحف يحدث منها ويدلس وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: التابعي المشهور،
مشهور بكنيته، وصفه بذلك الذهبي والعلائي"
. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 425-426" عبد الله بن زيد أبو
قلابة الجرمي إمام مشهور من علماء التابعين، ثقة في نفسه، إلا أنه يدلس عمن لحقهم وعمن
لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها ويدلس." . أما راوي الحديث فاختلفوا في اسمه فقالوا (مالك بن الحويرث ) وقال
البغويّ : ويقال له : ابن الحويرثة ، وقال ابن السّكن : مالك بن الحارث ، وقال شعبة
: مالك بن حويرثة ، يكنى أبا سليمان : سكن البصرة
.
وكان مالك بن الحويرث ممن تأخر إسلامه، وقد وفد إلى
النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة، أي: في آخر حياته صلى الله عليه وسلم،
وكان من أهل البحرين وقد اختلفوا في من كان مع ابن الحويرث فمرة كان مع شببه متقاربون
ومرة مع قومه وهم بني ليث بن بكر، وكان قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر
ابن سعد في الطبقات بأسانيد عدة، أنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتجهز
لغزوة تبوك. وغزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع، فقدموا عليه صلى الله عليه وسلم في السنة
التاسعة، وقوله: (شببة) بفتح الشين والباء أي شباب. وقوله: (متقاربون) أي: متقاربون
في السن.
اذن هذه الكلمات المنسوبة الى رسول الله انما هي جزء
مقتطع من حديث احاد مختلف على كلماته ومعانيه ومختلف على كون تلك الكلمات موجودة في
الحديث ام لا والراوي الوحيد له مختلف على اسمه ومختلف على وقت اسلامه والحديث مروي
عن شخص مدلس معروف بالتدليس . وهذا ما يدل على ان من اخترع هذه الكذبة فشل في حبكها
فجاءت مهلهلة ولا تثبت اما التحري فهي كذبة تم اختراعها لخداع الناس باسم الله .
تعليقات
إرسال تعليق