لماذا لايسمح للعراق ان يصبح جزء من طريق الحرير الجديد

 

لماذا لايسمح للعراق ان يصبح جزء من طريق الحرير الجديد

زهير جمعة المالكي

يتعجب الانسان أحيانا من ان تكون هناك في عالم اليوم دولة امامها فرصة ذهبية لتحقيق واردات مهولة ومتجددة لضمان مستقبل اجيالها ومعت ذلك نراها تتحرك في كل اتجاه للتهرب من تلك الموارد بل وتمنح من أموالها لدول الجوار حتى تشترك معها في ما تملكه حاليا من موارد . للأسف هذه الدولة هي العراق . العراق حاباه الله بموقع استراتيجي جعله مركز عقدة خطوط الموصلات العالمية ، فكل طرق التجارة البرية بين الشرق والغرب تمرُّ حتماً من خلاله، وأن خطوط الغاز المستقبلية سواء أكانت ضمن مشروع نورث ستريم الروسي أو مشروع نابكو الأمريكي تمرُّ خلاله أيضاً، وأن مشروع مد أنابيب الغاز القطرية إلى أوروبا عبر تركيا يجب أن تمر من خلال العراق بحيث إن الاستثمار الصحيح لهذا الموقع يمكن إن يحول البلاد إلى أهم بقعة على وجه الكرة الأرضية.

مع طرح الصين لخطة الطريق والمحور عام 2013 والتي تمثل إعادة احياء طريق الحرير القديم والذي كان يمتد من الصين الى موانئ البحر الأبيض ومنها الى اوربا تركزت عقدة المواصلات البرية في العراق . فالعراق يرتبط بالأردن وسورية والمملكة العربية السعودية بعقدة المواصلات البرية المعروف بـاسم "الطريق الدولي السريع رقم 1”، وهو طريق إستراتيجي طويل ومعقد ينطلق من أقصى جنوب العراق حيث الموانئ في البصرة، وينتهي بنقطة التبادل التجاري مع المملكة الأردنية الهاشمية  في منطقة طريبيل - الرويشد ، مع خطوط فرّعية تصل إلى مدينة القائم العراقية كنقطة عبور مشتركة مع سورية، وأخرى مع المملكة العربية السعودية جنوباً إلى (معبر عرعر). ينقسم الطريق الدولي إلى (9) ممرات تجارية سريعة، ويبلغ طوله الكلي داخل العراق 1200 كلم ويمر بأربع محافظات وتسع مدن، ويقطع أراضي محافظة الأنبار الصحراوية الشاسعة، ويصل إلى بغداد عبر طريق الفلوجة – عامرية الفلوجة – أبو غريب فيما يتصل بالطريق الدولي الاستراتيجي الجنوبي الواصل إلى الموانئ البحرية في البصرة، عند عقدة مواصلات (جنوب غرب العاصمة بغداد – شمال غرب محافظة بابل)، ويتصل بالطرق الإقليمية (M5) و(M30) و(M40). يرتبط العراق مع دول الجوار بعدة معابر حدودية . هناك 11 معبر مع ايران هي معابر "حاج عمران، معبر باشماق ومعبر برويز خان منافذ الشلامجة والشيب وبدرة وزرباطية والمنذرية ومندلي وسومار". ومع تركيا هناك أهم معبر بين كردستان العراق وتركيا هو معبر إبراهيم الخليل، الذي يعد أكبر منفذ حدودي عراقي، وتمر من خلاله بضائع تصل قيمتها إلى 5 مليارات دولار. هناك معبرين مع سوريا هما "ربيعه والقائم " ومع السعودية هناك معبر "عرعر" ومع الكويت معبر "سفوان " ومع الأردن معبر "طريبيل " . بالإضافة الى الطريق البري هناك خطوط السكك الحديدية والتي تشمل سبعة خطوط رئيسية هي : خط بغداد – صلاح الدين (سامراء) و خط  بغداد – الانبار (الفلوجة) وخط  بغداد – صلاح الدين - الموصل (ربيعة) وخط  بغداد – بابل (الحلة) وخط  بغداد – بابل - القادسية (الديوانية) وخط بغداد – بابل - القادسية – المثنى (السماوه) وخط  بغداد – بابل - القادسية - المثنى -البصرة . بالإضافة الى إمكانية إعادة تشغيل خط السكك الحديد بين العراق، وتركيا، والموجود عبر خط يمر عن طريق مدينة قامشلي السورية، ويمر في الأراضي السورية، بحدود (50-40) كيلو متر، وهو ينطلق من بغداد، إلى قامشلي، ومن بعدها يصل إلى إسطنبول في تركيا . شبكة النقل العالمية بين الشرق والغرب (شرق أسيا واوربا) سوف لن تتكامل من دون مرورها عبر الاراضي العراقية سواء أراد العراق أن تكون موانئه هي المحطة التي تستقبل هذه البضائع أو كانت موانئ الدول المجاورة والقريبة هي الموانئ المستقبلة له.   حاليا يمتلك العراق ستة موانيء هي ميناء ام قصر، ميناء خور الزبير،ميناء البصرة النفطي،ميناء خور العمية،ميناء أبو الفلوس،وميناء المعقل ، للوصول الى هذه الموانيء يجب المرور من خلال خور عبدالله . مع اقتراب ميناء "مبارك" الكويتي العملاق من الاكتمال وقرب تدشينه، ليقطع بذلك الممر المائي العراقي في خور عبد الله أو ليُضَيِّق عليه بشكل خطير، ومع إنشاء الكويت لمنصة بحرية جديدة في منطقة "فيشت العيج" وسط ذلك الخور أصبحت الموانيء العراقية مهدده بالاغلاق وهو ما تسعى من اجله الكويت .

يعدُّ ميناءا تشابهار وجوادر من أكبر الموانئ تاثيراً على الوضع الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة فهذان الميناءان بإمكانهما تقليص دور موانئ الإمارات العربية ولاسيما ميناء جبل علي؛ ومن هذا المنطلق ركزت الصين كل جهودها على الاستثمار في ميناء جوادر الباكستاني الواقع بين بحر العرب وخليج عمان ويعدُّ أقرب ميناء إلى الصين حتى من الموانئ الصينية نفسها، فضلاً عمّا يمتاز به من عمق بحري، وقد حصلت الصين من الباكستان على عقد استثمار لميناء جوادر لمدة أربعين عاماً؛ وبذلك تتخلص الصين من عنق الزجاجة الذي من الممكن أن يخنقها في أي وقت والمسمى خليج ملقا، وتبلغ المسافة من إقليم تشينجيانغ الصيني إلى الخليج حوالي 3000 كيلومتر، وقد استثمرت الصين حوالي 46 مليار دولار، وتتحمل قطر حوالي 15% من إجمالي الاستثمارات في ميناء جوادر.

أما ميناء تشابهار الإيراني فيحتوي على مرفأين، هما: مرفأ شهيد كالانتار، ومرفأ شهيد بهشتي، ولكل منهما خمسة أرصفة، وتعمل الذراع الاستثمارية للمشروع التابعة لوزارة الشحن -الهند بورتس غلوبال- على إقامة شراكة بين شركة (جواهر لال نهرو بورت تراست) وميناء (غوجارات كاندلا بورت)؛ لتطوير ميناءين للحاويات بطول 640 متراً، وثلاثة أرصفة متعددة الشحنات باستثمار 85 مليون دولار أمريكي.وتزداد أهمية ميناء تشابهار للهند لأنه يمكنها من تجاوز باكستان في نقل البضائع إلى أفغانستان، وهو يعدُّ المدخل الرئيس لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الذي يضمُّ خطوطاً بحرية وبرية بين الهند، وروسيا، وإيران، وأوروبا، ووسط آسيا؛ وهذا سيعود بالنفع على الهند، ويزيد حجم استيراد خام الحديد والسكر والأرز، وستشهد تكلفة استيراد النفط للهند انخفاضاً كبيراً، وزادت الهند بالفعل من شراء خام النفط من إيران منذ رفع الحظر المفروض على إيران، وسيساعد الميناء على تخطي الوجود الصيني في بحر العرب .

ان كلا الميناءين تشابهار وجوادر يعتمدان في اهميتهما على المرور في الطرق البرية والسكك الحديدية في العراق والتي تربط بين سواحل الخليج  وبين منطقة ميناء العقبة في الأردن وميناء طرطوس في سوريا على البحر الأبيض المتوسط ، وكذلك تربط بين مشروع "الكويت الجديدة 2035" ومشروع (نيوم - Neum) السعودي العملاق على البحر الأحمر والذي يشمل مد طريق بري الى مصر عبر جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر الذي يجعل من الطريق الدولي العراقي طريقا دوليا استراتيجيا مهما . بالنسبة للطريق الى تركيا فقد اقترحت كل من تركيا وقطر مشروع لنقل البضائع ينطلق من تركيا الى ميناء أم قصر العراقي ومنه إلى "ميناء حمد" القطري . فاذا علمنا ان تكلفة نقل الطن الواحد من البصرة الى الحدود التركية تبلغ "500 دولار امريكي " فبامكاننا ان نتصور حجم العائدات التي ستدخل الى العراق يوميا والتي ستفوق عائدات النفط .

اذن لماذا لايسمح للعراق ان يصبح جزء من استراتيجية الطوق والمحور الصينية ولماذا لايسمح ببناء ميناء الفاو ؟ لنعرف الإجابة يجب ان ننظر الى الأثر الذي سوف يتركه بناء ميناء الفاو وربطه باستراتيجية الطوق والمحور الصينية على المنطقة والتي يمكن ان  نوجزها في النقاط التالية :

1.    ان انشاء ميناء الفاو وربطه مع مينائي تشابهار وجوادر يعني عمليا انهاء دور ميناء جبل علي في الامارات وتحويله من ميناء دولي الى ميناء محلي وكسر هيمنة موانيء دبي وأبو ظبي على التاجارة بين الشرق والغرب . مع ما يجره ذلك من عائدات مهولة مرتبط بالإدارة الحكيمة للموقع الاستراتيجي

 

2.    الاستثمار في إنشاء القناة الجافة التي يمكن أن تتكون من خطوط سكك حديدية، وطرق مواصلات سريعة لنقل البضائع سيكون بديلاً عن قناة السويس مما يخفض من عائدات مصر من قناة السويس الى الربع كون ان التجارة بين اسيا واوربا سوف لن تحتاج للمرور من خلال تلك القناة واختصار مصاريف العبور وزمن الانتقال ، بحيث يتم الربط السككي بين الموانئ العراقية إلى الحدود السورية في ربيعة، ليمرَّ في الأراضي السورية وصولاً إلى الرابط بالمنفذ الحدودي التركي مع سورية، بطول متباين يتجاوز 1120 كيلومتراً؛ وبذلك فإن الهدف كبير وتكاملي ليتعزز الربط مع الشبكة العالمية للسكك الحديد داخل الحدود التركية.

 

 

3.    ان ربط الموانيء العراقية مع استراتيجية الطوق والمحور سوف يكسر إمكانية محاصرة ايران تجاريا فالنفط الإيراني سوف لن يكون بحاجة للمرور من خلال قناة السويس ومضيق باب المندب للوصول الى اوربا وبهذا يوثر على سياسة العقوبات الامريكية .

 

4.    ان بناء ميناء الفاو يعني عمليا ضياع الاستثمارات المالية الكويتية التي انفقت على ميناء مبارك والتي بلغت لحد الان ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار ليست بحاجة فعلية للميناء المذكور بل ان المخطط له ان يكون هذا الميناء بديلا عن الموانيء العراقية الواقعة شمال خور عبدالله والسيطرة مستقبلا على حقل السيبة الغازي . الا انهم يعرفون ان ميناء مبارك لن يكون له مستقبل الا بربطه سككيا بالقطارات مع القناة الجافة السككية العراقية، لذلك يبذل الكويتيون قصارى جهدهم للحصول على قرار عراقي للربط السككي مع الميناء الكويتي. لتتحول إيرادات النقل للكويت ويحصل العراق على فتات رسوم الترانزيت وحتى هذه لن نحصل عليها بوجود اتفاقيات الإعفاءات الكمركية بين الدول العربية حيث ان مشروع الكويت 2035 سيحول الإنتاج الى جزيرة بوبيان الكويتية .

 

5.    ان دخول العراق ضمن استراتيجية الطوق والمحور يعني عمليا انهاء مشروع (نيوم ) السعودي والذي يراهن عليه ولي العهد السعودي بمستقبله السياسي ويستثمر فيه ثمانمائة مليار دولار للسيطرة على طرق التجارة العالمية من خلال موقعه بين مصر والسعودية والأردن .

 

6.    ان ربط العراق باستراتيجية الطوق والمحور يعني انهاء مشروع صلالة – حيفا وهو المشروع الذي تعتمد عليه دول التطبيع وإسرائيل في السيطرة على طريق الحرير الجديد فهو طريق بري يمتد من ميناء صلالة في عمان الى ميناء حيفا في إسرائيل مرورا بابو ظبي والسعودية والأردن .

 

 

مما تقدم يمكن تفسير حجم التآمر الذي يتم لتعطيل إنشاء ميناء الفاو الكبير، بل إن الأمر وصل إلى محاولة الحصول على عقود استثمار للموانئ العراقية من قبل شركة موانئ دبي الذي يُخشى في حال حصوله على إصابة الموانئ العراقية بما أُصيب به ميناء عدن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انتقام قريش من الأنصار

التطور التاريخي لقانون الأحوال الشخصية العراقي

أكاذيب يجب ان يتم كشفها 3 – ابن حنبل ومحنة خلق القران

أكاذيب لابد من كشفها 3- اكذوبة زواج عثمان من بنات رسول الله

التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق-2

ما لم يذكره اسامة انور عكاشة

اكذوبة الشورى

موقع العراق من استراتيجيات الصراع الدولي