موقع العراق من استراتيجيات الصراع الدولي

موقع العراق من استراتيجيات الصراع الدولي

زهير جمعة المالكي

1.   المقدمة

يعتبـر المفكر الهندي (كوتيليـا) 296-312  قبل الميلاد وزير الملك شاندرا غوبتا ، أول من وضع اساسيات الواقعية السياسية في العلاقات الدولية . وقد وضع كتاب ” أرتاشاسترا ” ـ علم السياسة / علم الحُكم" وطرح في الكتاب مفهوم الماندالا، حيث ترى المملكة مصالحها الدبلوماسية عبر دوائر تتسع باستمرار، فتتحالف مع الدائرة الثانية بالترتيب، لتتوحدا ضد الدائرة الوسطى بينهما، وهو ما يشير إلى مبدأ عدو العدو صديق ، ومن أقواله المشهورة " أن فلول عدو ما قد يُصبح أثرُه كبقايا وباء أو حريق، ومن هنا ينبغي إبادة تلك الفلول تماماً، وعلى المرء ألاّ يتجاهل عدواً حتى ولو كان يعرف أن ذلك العدو ضعيف؛ إذ إنه قد يُصبح خطِراً بمرور الزمن "كالشرارةِ في كومٍ من الهشيم". وهو اول من كتـب حول الحرب والتحـالف و دور العوامل الجغرافيـة و مفهـوم القـوة، التي تقـوم بهـا الدولة و مفهوم القوة و نظام توازن القوى [i]. انطلاقا من هذه الأفكار برزت فكرة التنافس الدولي الذي هو يعرف بانه ذلك الإختلال الذي يحصل فـي المجتمـع الـدولي قد تتضخم و تأخـذ صـورة الصـراع إذ لـم تـتم معالجتها ، فالـدول تسـعى إلـى تعظـيم مكاسـبها وفقـا لمفهـوم المصـلحة الوطنيـة بشـكل قـد يتنـاقض مـع مصـالح دول أخـرى ممـا قـد يولـد حالـة مـن التنـافس و قـد يشـمل التنـافس مجـالا محـددا و قـد يتسـع ليشمل مجالات عديدة كالتنافس الإقتصادي و السياسي و الحضاري ،خاصة إذا كانت الدول التي يطبع علاقاتهـا التنافس متباينة إيديولوجيا أو متباينة في المنهجين  الإقتصادي و السياسي لكل منهما [ii].

يقول ( الدكتور أناتولي إيفانوفيتش أوتكين ) ، العالم الروسي البارز في مجال الدراسات الأمريكية “إن معنى التاريخ العالمي هو تجديد الميزان العالمي بعد اختلاله، أي إن المنبوذين، والذين ضعفوا سيتوحدون بصورة حتمية ضد القوي[iii]. مع نهاية الحرب الباردة وانهيار نظام الثنائية القطبية نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتي ، ظهر نظام دولي جديد من ابرز ملامحه ظهور الولايات المتحدة كقوة وحيدة ومهيمنة ، تسعى الى تعزيز تواجدها في العديد من مناطق العالم خاصة منطقـــة الشـــرق الاوســـط من اجل السيطرة والتفوق وتكريس الاحادية القطبية ، وقد جسدت ذلك في الواقع بتدخلاتها العسكرية في العديد من الدول كالعراق وأفغانستان . هذا الوضع بدأ يتغير ويتجه نحو التنافس بسبب التحول الكبير في موازين القوى الاقتصادرية وبروز التنين الصيني بقوة على الصعيد الدولي . فقد اخذت الصين تعمل على تعزيز قوتها الشاملة وتسعى لاحتلال مكانة متقدمة وحماية مصالحها الاستراتيجية في العديد من المناطق خاصة منطقة الشرق الأوسط . هذا التوجه الصيني يقابله تحرك امريكي حثيـث في محاولة لمنع اي تغلغـل لاي منافس جديد . بالإضافة الى الجهود الروسية لاستعادة امجاد الإمبراطورية السوفيتية . من هذا الصراع نجد ان في عالم اليوم هناك تنافس بين ثلاث دول كبرى، دولة بحرية (الولايات المتحدة) ودولة برية (روسيا)، وبينهم دولة مزدوجة (الصين ) على النفوذ والسيطرة، ليس فقط في منطقة الحافة، بل أيضاً في "القلب العالمي"، وأخيراً أفريقيا.

في خضم هذا الصراع القديم – الجديد بدات تبرز أهمية عوامل جديدة تؤثر وبقوة على رسم الاستراتيجات التي تدير دفة ذلك الصراع ومن أهمها عامل الموقع الجغرافي الذي اصبح عاملا أساسيا في إنجاح او افشال الاستراتيجيات الدولية والتي وصفها روبرت كابلان بقوله " الجغرافيا هي العامل الاكثر أهمية في السياسة الخارجية للدول، لانّها أكثر العوامل ديمومة، يأتي الوزراء ويذهبون، وحتّى الطغاة يموتون، لكن السلاسل الجبلية تظّل راسخة في مكانها"[iv] . وقد سعت كل دولة من الدول الكبرى الى وضع استراتيجية خاصة بها اعتمادا على موقعها الجغرافي وقدراتها والاهداف التي تسعى لتحقيقها .

. من هنا تبرز أهمية الموقع الاستراتيجي للعراق باعتباره عقدة المواصلات البرية والبحرية للبر الرئيسي المسمى اوراسيا . فالعراق هو الجسرالذي يربط بين القلب الشمالي " الرقعة الجغرافية الممتدة بين الفولغا حتى شرق سيبيريا" والقلب الجنوبي " أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى"، كما وانه يدخل ضمن الهلال الداخلي الذي يشمل سواحل أوربا وشبه الجزيرة العربية وسواحل جنوب شرقي أسيا والهند وقسماً كبيراً من البر الصيني المحيط بمنطقة الارتكاز التي تشمل نطاق الاستبس من التركستان الروسية حتى جنوب شرقي أوربا, وبما ان العراق يقع في نهاية الهلال الداخلي من جهة الشرق في قلب جزيرة العالم بين القارات الثلاثة القديمة لذا فأن موقعه الجغرافي ذو أهمية استراتيجية عالية وكبيرة بسبب تحكمه بالطريق الذي يربط بين تلك القارات[v]. وهذا مايفسر الصراع الدولي والإقليمي على جذب العراق في هذا الاتجاه او ذاك .

سنقوم في هذا البحث بدراسة التوجهات الاستراتيجية للقوى المتصارعة الثلاث ومدى تاثيرها على الواقع السياسي والاقتصادي في العراق ومستقبله في ظل عالم متغير ومتصارع .

2.   تحديد الأهداف

"اسمحوا لي فقط أن أقول إنني أعتقد أيضا أن الرئيس ترامب كان على حق في اتخاذ موقف حازم تجاه الصين". بهذه الكلمات حدد وزير الخارجية الأمريكي الجديد (أنتوني بلينكن) ، خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ، التحدي الأكبر للولايات المتحدة، وتعهد باتخاذ "نهج أكثر صرامة تجاه الصين".  كما قال وزير الدفاع الجديد الجنرال لويد أوستن ، خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ، بأن الصين تمثل "خطرا متزايدا، وأن التصدي لها سيكون من أبرز اتجاهات أنشطة البنتاغون" في عهد بايدن. أما مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، فقد أشارفي حديث له أمام معهد السلام بواشنطن إلى أن "الصينيين يعتقدون أن نموذجهم أنجح من النموذج الأميركي، وهذا ما يروجون له حول العالم".

في اول أيام جو بايدن في البيت الأبيض تم نشر تقرير مكون من 23 صفحة بعنوان " الدليل الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت"     Interim National Security Strategic Guidance حدد فيه أولويات الإدارة الجديدة وقد جاء فيه :

“The most effective way for America to out-compete a more assertive and authoritarian China over the long-term is to invest in our people, our economy, and our democracy. By restoring U.S. credibility and reasserting forward-looking global leadership, we will ensure that America, not China, sets the international agenda, working alongside others to shape new global norms and agreements that advance our interests and reflect our values” [vi].

"الطريقة الأكثر فعالية لأميركا للتغلب على الصين الأكثر حزماً واستبدادية على المدى الطويل هي الاستثمار في شعبنا واقتصادنا وديمقراطيتنا. فمن خلال استعادة مصداقية الولايات المتحدة وإعادة تأكيد القيادة العالمية التطلعية، سنضمن أن تضع أميركا، وليس الصين، جدول الأعمال الدولي، والعمل جنباً إلى جنب مع الآخرين لتشكيل معايير واتفاقيات عالمية جديدة تعزز مصالحنا وتعكس قيمنا".

We also recognize that strategic competition does not, and should not, preclude working with China when it is in our national interest to do so. Indeed, renewing America’s advantages ensures that we will engage China from a position of confidence and strength

"نحن ندرك كذلك أن المنافسة الاستراتيجية لا تمنع، ولا ينبغي، أن تمنع العمل مع الصين عندما يكون ذلك في مصلحتنا الوطنية. في الواقع، فإن تجديد مزايا أميركا يضمن أننا سنشرك الصين من موقع الثقة والقوة. سنجري دبلوماسية عملية موجهة نحو النتائج مع بكين وسنعمل على تقليل مخاطر سوء الفهم وسوء التقدير" .

اذن فقد وضعت إدارة بايدن صوب عينيها ان المنافس الأساسي للولايات المتحدة الامريكية على الصدارة هو الصين .  وحيث إن الرئيس وفق النظام الأميركي، يقع في قمة الهرم في اتخاذ قرارات السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، من المنظورين القانوني والسياسي، غير أنه يمسك بآلية اتخاذ القرار من طرف خيط دقيق، إذ لا يمكن لرجل واحد اتخاذ القرار في دول ذات نفوذ عالمي مماثل. أي إن الرئيس يشكّل الجزء الظاهر من إدارة ضخمة، حيث هناك آلاف المستشارين في البيت الأبيض، هذا إلى جانب الوزارات الضخمة والمؤسسات الرسمية التابعة لها أو تلك الخاصة التي تعمل لمصلحتها[vii] . هذه الحقائق لا تلغي المشروع الخاص بكل رئيس وما يحمله من أفكار واتجاهات حيال قضايا معينة، فضلًا عن سماته الشخصية وطريقته في التفكير والعمل. إذ يدرك بايدن حجم التأثير الكبير للصين على الاقتصاد الأميركي، وقد سبق لأولبرايت أن لخّصت الحال بالقول إن لدى الصين “سلطة الحياة والموت على ملايين الوظائف الأميركية[viii]  . انطلاقا من ذلك الادراك  وجه بايدن تعليمات لوزير الدفاع الجديد بمراجعة الإستراتيجية العسكرية لبلاده تجاه الصين، مع التركيز على المجالات الحيوية التي تشمل المخابرات والتكنولوجيا والوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وكانت وزارة البحرية الامريكية قد اعدت خطة استراتيجية لعام 2021 ، تركّز الولايات المتحدة في تلك الاستراتيجية على دور قواتها البحرية في دعم سيطرتها العالمية، حيث إن الغرض من هذه الاستراتيجية هو تأمين القدرة على التدخل ما وراء البحار، عبر نشر المزيد من قطعاتها البحرية حول العالم، وتعزيز تحالفات أميركا القائمة وبناء تحالفات جديدة والمشاركة في المناورات العالمية، وصنع الوكلاء عبر العالم خصوصًا في المنطقة الهندو آسيوية للمحيط الهادئ، في سعي للتعامل بشكل أكبر مع مسألة نهوض القوى البحرية الصينية وتوسعها هناك، مما يدل على نية الولايات المتحدة في السيطرة على التجارة في المحيط الهندي والهادئ وحتى احتكارها، وتقييد الاستخدام العسكري أو الاقتصادي للمحيطات من قبل دول أخرى. وتهدف هذه الاستراتيجية، بشكل أساسي، إلى منع قدرة الصين على الدفاع عن مناطق اتصال بحرية من التدخل الخارجي، هذا التدخّل الذي تعيقه الصواريخ الصينية المضادة للسفن والتي تثير قلق واضعي الاستراتيجية. وقد جاء في تلك الاستراتيجية :

"الاستراتيجية البحرية تؤكد مبدأين تأسيسيين ،أولا إن الوجود البحري الأمريكي المتقدم ضروري لإنجاز المهمات البحرية التالية المستمدة من التوجيه الوطني: الدفاع عن الوطن وردع الصراع ، والاستجابة للأزمات ، وهزيمة العدوان ،وحماية المشاعات  البحرية، وتعزيز الشراكات، وتقديم المساعدة الإنسانية ،والاستجابة للكوارث .إن قواتنا البحرية المكتفية ذاتيا العاملة في المشاعات العالمية ،تضمن حماية الوطن بعيدا عن شواطئنا، في الوقت الذي توفر فيه لرئيس الولايات المتحدة مجالا من القرارات والخيارات لحرمان العدو من تحقيق أهدافه ، والحفاظ على حرية العمل، وضمان وصول قوات المتابعة. ثانيا ،القوات البحرية تزداد قوة عندما تعمل معا ،وجنبا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء .إندمج إمكانياتنا وقدراتنا الفردية ينتج عنه تأثير بحري مشتركه وأعظم من مجموع أجزائه . ومن خلال العمل معا في الشبكات الرسمية وغير الرسمية ،نتمكن من معالجة التهديدات للمصالح الأمنية البحرية المشتركة"[ix]. وقد اكدت تلك الخطة على أهمية التعاون مع الحلفاء من اجل حماية المصالح المشتركة بالقول "تسعى الولايات المتحدة، على أساس المصالح الاستراتيجية المشتركة، إلى تعزيز التعاون مع حلفاء منذ أمد بعيد في منطقة المحيط الهندي-آسيا- المحيط الهادي ـــ وأستراليا واليابان ونيوزيلندا والفلبين وجمهورية كوريا وتايلاند، وتستمر في تنمية شراكات مع دول مثل بنغلاديش وبروناي والهند وإندونيسيا وماليزيا وميكرونيزيا وباكستان وسنغافورة وفيتنام" [x] .  اما بالنسبة للصين فقد ورد في تلك الخطة "التوسع البحري الصيني أيضا تحديات عندما تستخدم القوة أو الترهيب ضد دول أخرى ذات سيادة لتأكيد المطالب الإقليمية .هذا السلوك، جنبا إلى جنب مع عدم وجود الشفافية في نواياها العسكرية، يسهم في التوتر وعدم الاستقرار، مما قد يؤدي إلى سوء التقدير أو حتى التصعيد . إن الخدمات البحرية للولايات المتحدة، من خلال استمرار وجودنا المتقدم، والتفاعل البناء مع القوات ، تقلل من احتمالات سوء الفهم، وتحبط العدوان، وتحافظ على التزامنا بالسلام والاستقرار في المنطقة" [xi] .

بناء على تلك المعطيات اعلنت وزارة الدفاع الأمريكية ، عن تشكيل فرقة عمل لتقييم السياسات حول الصين وتقديم التوصيات بشأن التعامل معها. وتتكون الفرقة من خمسة عشر مسؤولاً مدنيًا وعسكريًا، بقيادة (إيلي راتنر) ، نائب مستشار الأمن القومي السابق لبايدن الذي انضم إلى الوزارة كمساعد خاص لوزير الدفاع لشؤون الصين ، كما تضم الفرقة الباحثة بمركز التقدم الأميركي (ميلاني هارت)  التي ستشرف على مراجعة قرارات إدارة بايدن اتجاه الصين خاصة تلك التي تتعلق بشركات التكنولوجيا كما تنضم للفرقة (إليزابيث روزنبرغ) من وزارة الخزانة.

3.   الخلفية التاريخية للصراع

قدم هنتنغتون أطروحة الصدام في مقال شهير عن السياسة الخارجية الأمريكية عام 1993، وجادل بأنه مع انهيار الشيوعية لم تعد المنافسات الآيديولوجية هي ما يقود شؤون العالم، وبدلا من ذلك سيحدث صراع بين الثقافات والدين والهوية، وأن الحضارة الغربية في أوروبا وأمريكا الشمالية وحضارة «سينيك» التي تضم الصين والكثير من جيرانها الآسيويين، ستكون من ضمن الحضارات المتصارعة. فهو يرى أن الحرب والنزاعات بعد الان لن تكون بني الطبقات الاجتماعية او الاقتصادية بل ستكون بين القوميات والاديان والحضارات وهو يعني فترة ما بعد الحرب الباردة، سيكون صراعا على اساس الهوية، كذلك سيكون صراعا على الهوية نفسها اي صراع داخلي بني اقطاب الحضارة ذاتها[xii].

يعود تاريخ الصراع الأميركي-الروسي إلى نهايات الحرب العالمية الثانية، ونشوء المعسكرين الغربي والشرقي، والمجابهة العالمية والجيوسياسية والاقتصادية والإيديولوجية بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفياتي من جهة أخرى. فقد أثبت كل من الطرفين مجال نفوذه من خلال الكتلتين السياسيتين والعسكريتين، وهما حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، وتجسّد ذلك في محطات تاريخية عديدة في فيتنام، كوريا وغيرهما. إضافة إلى السباق على التسلّح وظهور ما يسمى بالحرب الباردة.لقد أثّر تفكّك الاتحاد السوفياتي في العام 1991، في العلاقات الأميركية-الروسية، فأنتج الواقع الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة بيئة دولية جديدة تمثلت بسيطرة الولايات المتحدة منفردة على العلاقات الدولية بجميع جوانبها، الأمر الذي انعكس على طبيعة العلاقات الأميركية الروسية ، بل أصبحت هذه العلاقات غير متكافئة وتحديدًا خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي.

يقول صاموئيل هنتغتون "ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺩﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﺯﺍﻴﺩ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺼﻴﻥ ﻭﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ، ﻜﺎﻥ ﻤﺩﻓﻭﻋﺎ ﻓﻲ ﺠﺯﺀ ﻤﻨﻪ ﺒﺎﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻟﺩاخلية في كل من ﺍﻟﺒﻠﺩﻴﻥ "[xiii]. يعود تاريخ العلاقات الرسمية الأميركية – الصينية إلى أواسط القرن التاسع عشر، عند توقيع أول اتفاقية دبلوماسية بين البلدين عُرفت بـ( معاهدة وانغيا )عام 1844، والتي حصل الرعايا الأميركيون بموجبها على الامتيازات والحصانة الدبلوماسية[xiv].  ولكن ﺍﻟﺤﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﻭﻤﺎ ﺘﻼﻫﺎ أدى الى ﺘﺤﻭﻴل ﺍﻟﺘﻔﻜﻴـﺭ ﻓـﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗـﺎﺕ . ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ من المثالية الى الواقعية [xv] . فقد دخلت الولايات المتحدة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، خشية أن يمتد نفوذه خارج حدوده باتجاه منطقة الخليج العربي الغني بالنفط، ما يعني تهديد لمصالحها وعلي راسها النفط [xvi] فكان عليها إبعاد القوى المنافسة لها من خارج المنطقة والقوى الحيوية إلاقليمية التي قد تعارض مصالحها، فاتبعت "سياسة الاحتواء" على أساس انتشار قواتها في المنطقة من خلال وجود قواعد عسكرية والابقاء على أسطولها البحري ما يضمن لها حماية مصالحها في المنطقة.[xvii]  وسياسة الاحتواء سياسة صاغها جورج كينان سفير الولايات المتحدة الأمريكية في موسكو عام 1947 ،وتبناها الرئيس الأمريكي هاري ترومان، تقوم على إنشاء سلسلة من الأحلاف و القواعد العسكرية بهدف عزل الاتحاد السوفيتي ومنع انتشار نفوذه في العالم [xviii]. وكانت تلك السياسة تتركز على “الأحزمة المتعاقبة”، وذلك لتطويق  الاتحاد السوفياتي عبر ما يُعرف في الفقه الاستراتيجي الأميركي بـ”قوس الأزمات”، أي القوس الذي يتيح لأميركا أن تعزل الاتحاد السوفياتي وتحاصره، بدءًا من بحر البلطيق شمالًا مرورًا بأوروبا ثم تركيا وإيران، ومنها شرقًا حتى الصين [xix].

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي قامت الولايات المتحدة بتطوير سياسة الاحتواء، حيث قامت لجنة الدفاع المكلفة بالشؤون الخارجية بالبنتاغون عام 1992 بإعداد "دليل التخطيط الدفاعي" وجاء فيه: " إن هدفنا الأول هو تفادي ظهور منافسين جدد، إن هذه رؤية عامة تقع تحتها الإستراتيجية الدفاعية الإقليمية، وتتضمن سعينا الدائم لمنع آي قوة معادية من السيطرة على آي منطقة يمكن لثرواتها عندما ً تصبح تحت السيطرة أن تكون كافية لإطلاق قوة عظمى...وبناءا عليه ينبغي أن نملك آليات تردع مالكي إمكانيات التحدي من الطموح نحو التوسع في الدور الإقليمي أو العالمي" [xx].  

شغلت الصين حيزًا مهمًا من تفكيرمنظري السياسة الامريكان ومنهم (جوزيف س. ناي) ، الأكاديمي ومساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة (ببل كلينتون)، والذي جادل منظّري الأحادية القطبية، ويُنسب إليه ابتكار مصطلح “القوة الناعمة”، رأى أن “عبارة صعود الصين اسم على غير مسمى، إذ إن عبارة “عودة الصين” ستكون أكثر دقة، بما أن المملكة الوسطى [الاسم االقديم للصين] كانت من حيث الحجم والتاريخ لفترة طويلة، قوة كبرى في شرق آسيا. فقد كانت الصين فنيًا واقتصاديًا قائدة للعالم -ولو من دون امتداد عالمي – من سنة 500 إلى سنة 1500. فلم تتفوق عليها أوروبا وأمريكا إلا في نصف الألفية الأخيرة"[xxi]. وبحسب ما ذكره ناي، نقلًا عن محللين آخرين، "فإن الصينيين يصوّرون الولايات المتحدة بشكل روتيني “العدوَّ رقم 1” في البيانات الحكومية، والتقارير الإخبارية في الصحف التي تديرها الدولة، وفي الكتب والمقابلات. وأنه “ليس من المحتوم أن تشكّل الصين تهديدًا للمصالح الأميركية، لكن هناك احتمالٌ بخوض الولايات المتحدة حربًا ضد الصين أكثر من احتمال خوضها ضد أي قوّة كبرى غيرها"[xxii].

إنّ الاهتمام الاستراتيجي الأميركي بشرق آسيا سابق على المرحلة الحالية التي يكثر فيها الحديث عن هذه “الانعطافة” في السياسة الخارجية الأميركية منذ فترة حكم الرئيس باراك أوباما، لكون هذا التوجّه قد شهد زخمًا أكبر في عهده، ولا سيّما ولايته الثانية. لقد قامت الإدارة الأميركية، والتي ترى في منطقة بحر الصين الجنوبيّة مصلحة قوميّة جوهريّة، بإطلاق ما يسمّى (محور آسيا) والذي يحوّل سياسة الولايات المتّحدة تجاه الصين من سياسة مبنيّة، بشكل واسع، على مصالح تجاريّة مشتركة، إلى أخرى هدفها احتواء نهوض الصين، لذلك كانت رحلة الرئيس أوباما -التي رافقتها تغطية إعلاميّة كثيفة- إلى جنوب شرقي آسيا مؤشّرًا جيّدًا على نيّة واشنطن في إحاطة الصين وعزلها [xxiii]. ومن المؤشّرات الدّالة على أهمّية المنطقة أميركيًا، أنّه من بين القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة حول العالم والتي تقدّر بنحو 750 قاعدة، تتوزّع على 130 دولة[xxiv]، (والبعض يرفع العدد إلى 1000 قاعدة) فإنّ 109 قواعد منها تقع في اليابان و85 في كوريا الجنوبية[xxv]، فيها أربعة وثمانون ألف جندي، 47 ألفًا في اليابان و37 ألفًا في كوريا الجنوبية[xxvi].

يتبادل الصينيون والأميركيون الاتهامات بأن الجانب الآخر يعمد إلى “عسكرة” بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من إعلان الأميركيين أنهم لا ينحازون لطرف ضد آخر في النزاعات الإقليمية، لكنهم أرسلوا سفنهم الحربية وطائراتهم العسكرية إلى المناطق القريبة من جزر متنازع عليها، في عمليات يطلقون عليها اسم “عمليات حرية الملاحة” ويقولون إنها تهدف إلى إبقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع [xxvii]. قلق واشنطن من نفوذ الصين في المحيط الهندي أيضًا دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الهند كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الصين، مستغلّةً حالة التنافس المتصاعدة بين الجارتين الآسيويتين، ولا سيّما بعد تزايد الأنشطة والمشاريع الصينية في سريلانكا، منطقة النفوذ الهندية والتي باتت تحت تأثير النفوذ الاقتصادي الصيني عبر المرافئ الممولة من قبل الاستثمارات الصينية، وكذلك في باكستان، العدو التاريخي للهند. يقول بانيتا: “مع الهند، عملنا على إطلاق مبادرة تنمية غير مسبوقة لتبسيط عمليات التصدير في ما بيننا وتعميق تجارتنا وإنتاجنا المشترك في المجال الدفاعي[xxviii].  

4.    الاستراتيجية الامريكية لادارة الصراع

يقول " روبرت شتراوس هوب" وهو دبلوماسي وأكاديمي أميركي في كتابه " توازن الغد " الصادر عام 1994م :إن " المهمة الأساسية لأمريكا توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها ، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية ، وهذه المهمة لابد من إنجازها بسرعة في مواجهة نمو آسيا وأي قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية .

يعتبر مفهوم الإستراتيجية من أقدم المفاهيم التي عرفتها البشرية، حيث ظهرت في بداية الأمر في المجال العسكري ثم انتشر استعمالها حتى دخلت جميع المجالات والأنشطة الإنسانية. وقد تبلورت البذور الأولية للاستراتيجية كمفهوم، و فكر، ثم كوسيلة وكممارسة، مع الصراع المسلح منذ كان في أشكاله الأولى ، ليبدأ مفهوم الإستراتيجية في التطور في مطلع عصر النهضة الأوروبية ليصبح جزءا من العلوم الاجتماعية ويرتبط بمجموعة من النظريات الاقتصادية والسياسية. وقد عرف "اربرت غوزنسكي" الاستراتيجية "بأنها المفهوم المركزي الموجه ِالذي يضم كل العناصر ويوجهها نحو غاية محددة" [xxix]. اما "الإستراتيجية في العلاقات الدولية:"فهي وضع خطط وتكتيك لقوة تسيير العمليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية في خضم المصلحة الوطنية، بحيث الإستراتيجية لا تقتصر على المجال العسكري فقط بل تمتد لكل  الاختصاصات والقطاعات التي يمكن من خلالها بناء الدولة [xxx]. فالإستراتيجية هي أداة لتحقيق الأهداف والتأثير في إدارة دولة ما كي تستجيب لإدارة دولة أخرى، ويكون التأثير سواء بالإكراه باستعمال الإستراتيجية الحربية أو بالإقناع باستخدام  الدبلوماسية[xxxi].  

يقول (ستانلي هوفمان)  "أن العلاقات الدولية "هي العوامل والأعمال التي تؤثر في السياسات الخارجية والقوة للوحدات الأساسية التي ينقسم إليها العالم" [xxxii]. "تأسست السياسة الأمريكية الخارجية على تجاذب الجدل بين المصالح والأخلاق، أو بين البراغماتية والأيديولوجية. وهي نفس العناصر التي عملت بها حتى بعـد الحـرب البـاردة لتحقيق طموحات النخب الحاكمة في الهيمنة على العالم. ويعني الاتساع والتنوع في أهـدافها العامة، عدم ثبات تلك الأهداف وتغيرها بتغير الظروف الداخلية للولايات المتحـدة وبطبيعـة الحال بتغير الظروف العالمية المتداخلة مع المصالح الأمريكية"[xxxiii] . ولكنها تتمحور حول فكرة أهمية السيادة الامريكية لحفظ التوازن في العالم ، يقول صموئيل ب.هانتينغتون   "إن عالماً دون سيادة أميركية سيكون عالماً متسماً بدرجة من العنف والاضـطراب أكبـر وبدرجة من الديمقراطية والنمو الاقتصادي أقل من العالم الذي تستمر فيه الولايات المتحدة فـي ممارسة النفوذ،اكثر من أي بلد آخر، في إدارة الشؤون العالمية . وهكذا، فإن السـيادة الدوليـة المستمرة للولايات المتحدة هي أمر رئيس ومهم لرفاه وأمن الأميـركيين ولمسـتقبل الحريـة، والاقتصادات المفتوحة، والنظام الدولي في العالم "[xxxiv] .  يتجسد التفكير الاستراتيجي الأمريكي في ثلاث مدارس رئيسية هي :

  1.  المدرسة التقليدية المحافظة. وابرز مفكريها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ويمكن مطالعة آرائه بالعودة إلى كتابين له: الدبلوماسية (1994)، وهل تحتاج أمريكا سياسة خارجية؟ نحو دبلوماسية القرن الواحد والعشرين (2001). وتتركز افكارها في أن الخطر الأساسي الذي يواجه أمريكا هو عدم استقرار وتوازن العلاقات بين القوى الرئيسية في العالم، ويعتبران أن دور التحالفات والشراكة أساسي بينها.
  2.  المدرسة التدخلية الحازمة . وتتمثل في أفكار المحافظين الجدد ، ويركز هولاء على أن التهديد الأخطر الذي يواجه الولايات المتحدة هو ما يمكن تسميته بحزام الفوضى الجنوبي من الكرة الارضية والارهاب، ولا يعلقون أهمية كبرى على دور التحالفات والشراكات، ويؤمنون بأحقية التدخل العسكري المنفرد للولايات المتحدة حسب رغبتها.
  3. المدرسة التدخلية المتدرجة (الإنتقائية) بالشراكة. يمكن وصفها أيضا بالمدرسة الليبيرالية المثالية فيعد أبرز مفكريها بريجنيسكي الذي نجد أفكارها في كتابين من كتبه العديدة وهما: رقعة الشطرنج الكبرى: تفوق أمريكا ومسلتزماتها الجيوستراتيجية (1997) وكتاب: الاختيار: هيمنة عالمية أم قيادة. وجوزف ناي في كتابه: القوة الناعمة: وسائل الفوز في عالم السياسة. تتقاطع نظرة هذه المدرسة مع مدرسة المحافظين الجدد في تحديد الخطر المهدد للولايات المتحدة باعتباره قوس الأزمات أو الفوضى الجنوبي، بالاضافة إلى الارهاب ولكن تختلف في سبل المواجهة .... إذ تعول كثيراً على أهمية التحالفات والشراكة الدولية وعلى استخدام القوة الناعمة والدبلوماسية في السياسة الخارجية الأمريكية، لبناء إجماع استراتيجي وتحالفات ضرورية والنظر إلى أن قيادة أمريكا للتحالفات الدولية يجب أن تكون مستندة إلى قناعة الآخرين الطوعية بها ، مع إتباع سياسة توازن بين الحزم والتعاون مع روسيا. ويخشى من تنامي منافسة قطبية تستند إلى تعزيز الصين لدورها الأقليمي والعالمي مقابل تنامي المخاوف اليابانية في محيطها الحيوي. ويعتبر أنه من الحكمة اعتماد استراتيجية تأخذ في الاعتبار مصالح الصين المشروعة وتخفيف أية اندفاعات محتملة لها نحو طموحات أمبريالية[xxxv].

ويعتبر زبينغو بريجينسكي وهنري كيسنجر من ابرز وجوه الاستراتيجية الامريكية الخارجية . حيث يقول بريجنسكي : "إن الهيمنة قديمة قدم الإنسان ذاته . ولكن السيطرة العالمية الراهنة لأميركا تتميز بسـرعة ظهورها، وبحجمها العالمي، وبطريقة ممارستها. فخلال قرن واحد حولت أميركا نفسها، وحولت أيضاً بواسطة ديناميات دولية، من دولة معزولة نسبيا في نصف الكرة الغربي إلى قـوة تصـل سلطتها إلى ارجاء العالم كلها وتمسك بهذه الأرجاء على نحو لم يسبق له مثيل قط  "[xxxvi]. "يصف الواقعيون المدرسة الواقعية ، في السياسة الخارجية الأمريكيـة ، بأنهـا التنصل من الأخلاق في السياسة ، وممارسة القوة ، وتجنب المغـامرة ، والتمـسك بأهـداف الذات بغض النظر عن الوسائل. ويعمل الواقعيون على التعامل مع الواقع على ما هو عليـه في صورة ممارسة فردية دون تأثير أيديولوجي" [xxxvii]. هناك تقاليد راسخة في السياسة الأمريكيـة الخارجيـة تمنح الأولوية للاقتصاد والتجارة والدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة .وتنشأ هذه السياسة عن جدل مستمر بـين البراغماتية و الايدولوجيا وبين العمل والفكر. فالجانب الأيديولوجي فـي الـسياسة الخارجـية تحركه عدة عناصر أهمها [xxxviii]:

  1. الاستثنائية الأمريكية .
  2. إغـراء الانعزاليـة .
  3. الواقعية.
  4. الطرف الواحد .

تعتبر الولايات المتحدة الامريكية منطقة بحر الصين الجنوبية مصلحة قومية جوهرية لذلك قامت بإطلاق ما يسمى محور اسيا uلى شكل مشروع قانون جرى تقديمه إلى الكونغرس الأمريكي في العام 1999، ويتضمن إقامة شبكة لنقل الطاقة، تربط أوروبا الغربية بآسيا الوسطى، وربما بالشرق الأوسط على شكل نظام أمن عابر لأوراسيا يقوم على أساس عسكرة الممر الأوراسي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من «الاستراتيجية الكبرى». ويتمثّل الهدف، مثلما جرت صياغته في إطار مشروع القانون في تطوير إمبراطورية اقتصادية أمريكية على طول الممر الجغرافي الواسع.اصبح هذا الاتجاه في ظل إدارة بوش أساس النزعة التدخلية لدى الولايات المتحدة والناتو، وذلك بهدف إدماج جمهوريات جنوب القوقاز وآسيا الوسطى السوفييتية السابقة في دائرة نفوذ الولايات المتحدة. للوصول الى عسكرة مجمل الممر الأوراسي، انطلاقاً من شرقي المتوسط وحتى الحدود المشتركة للصين الغربية وأفغانستان، كوسيلة لضمان التحكم باحتياطيات النفط والغاز الكبيرة، وكذلك لـحماية أنابيب النفط وممرات التجارة. وقد أفاد غزو أفغانستان في تشرين الأول 2001 في دعم الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في آسيا الوسطى، بما في ذلك التحكم بالممرات . كان هذا الاتجاه موجهٌ إلى حدّ كبير ضد الصين وروسيا وإيران.

وفق استراتيجية واشنطن العالمية العسكرية، لابد أن تؤثر الممرات الأوراسية على سيادة الصين على أراضيها. فممرات النقل وأنابيب النفط التي تقترحها الولايات المتحدة والناتو وتحالف غوام مكرسة لتربط في وقت لاحق مع مشروع ممرات نقل الطاقة وأنابيب نفط نصف الكرة الغربي، بما في ذلك تلك المخطط لإنشائها في إطار الشراكة الأمريكية الشمالية للأمن والازدهار

من المؤشرات الدالة على أهمية المنطقة أمريكيا انه من بين القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة حول العالم والتي تقدر بنحو 750 قاعدة تتوزع على 130 دولة والبعض يرفع العدد الى 1000 قاعدة فان 109 قواعد منها تقع في اليابان و85 في كوريا الجنوبية فيها أربعة وثمانون الف جندي و47 الفا في اليابان و37 الفا في كوريا الجنوبية . وقد تحدثت هيلاري كلينتون عن مركزية اسيا والمحيط الهادي واهميتها في الاستراتيجية الامريكية للمرحلة وذلك في مقالها (عصر أمريكا الباسيفيكي) والذي دعت فيه الى أهمية زيادة الاستثمار الدبلوماسي والاقتصادي والاستراتيجي في اسيا والمحيط الهادي كون اسيا والمحيط الهادي أصبحا محركا رئيسيا في السياسة العالمية وقد اكدت كلينتون على أهمية وصع استراتيجية تشمل مناطق تمتد من شبه القارة الهندية الى الشؤاطئ الغربية للأمريكيين والمحيط الهادي والهندي التي ترتبط على نحو متزايد عن طريق خطوط الشحن والمصالح الاستراتيجية وتضم ما يقرب نصف سكان العالم وان التركيز عليها هي من المسائل الإشكالية بين بلادها والصين كالديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي والشفافية في الأنشطة العسكرية والتي تعدها بكين أمورا سيادية فضلا عن التحالفات الأمنية الثنائية وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي والحفاظ على السلام والامن في جميع انحاء منطقة اسيا والمحيط الهادئ ومن ضمن ذلك الدفاع عن حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي والتصدي لكوريا الشمالية وبرنامجها النووي  . من جهته عاد زميلها ليون بانيتا وكان وزيرا للدفاع الى الحديث عن حرص وزارة الدفاع الامريكية على إعادة توازن التركيز الاستراتيجي الأمريكي وموقف الولايات المتحدة تجاه منطقة اسيا والباسيفيكي كما أشار الى العديد من الخطوات العملية التي قام بها في إطار تنفيذ الاستراتيجية الجديدة في مقال له بعنوان أمريكا وإعادة التوازن الباسيفيكي  . اكد بانيتا الشراكات الجديدة في جنوب شرق اسيا والمحيط الهندي وزيارة عدد جنود مشاة البحرية المارينز وكذلك القوة الجوية الامريكية في منطقة شمال استراليا وأشار الى الاتفاق مع سنغافورة على نشر اربع سفن قتالية هناك إضافة الى اشراك دول أخرى في المنطقة في المناورات والتدريبات وبحلول عام 2020 سيكون 60 في المائة من القوة البحرية الامريكية منتشرة في المحيط الهادي وفقا للوزير الأمريكي الذى يرى ان ابراز القوة ركيزة لإعادة التوازن . انطلاقا من هذه النظرة سعت الولايات المتحدة الى السيطرة على الممرات البحرية الحيوية الممتدة من مضيق هرمز إلى بحر الصين الجنوبي.. وبناء شبكة من القواعد والتحالفات التي تحيط بالصين وروسيا على شكل قوس يمتد من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وفيتنام والفليبين في الجنوب الشرقي ومن ثم إلى الهند في الجنوب الغربي،  لتنتهى إلى اتفاق مع الحكومة الأسترالية لبناء منشأة عسكرية في داروين على الساحل الشمالي من البلاد بالقرب من بحر الصين الجنوبي.. وإنشاء تحالف يضم دول المنطقة من الدول التي ليس لها علاقة جيده سواء بالصين او روسيا كما يحاول الأميركان التحرك باتجاه الهند لضمها الى قوس القواعد وجعلها جزء من التحالف الأسيوي مع أميركا . بالاضافة الى ذلك عمدت الولايات المتحدة الامريكية الى محاولة تقليل النفوذ الروسي في أوروبا وآسيا الوسطى عبر تشجيع بناء أنابيب نفط وغاز جديدة تمتد من بحر قزوين عبر جورجيا وتركيا إلى أوروبا باقتراح بناء خط أنابيب غاز العابر للأناضول(غاز نابوكو)؛ وهو ممر مخصص لنقل الغاز الطبيعي من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا وصولاً إلى أوروبة مجانباً لروسيا , كذلك عملت الولايات المتحدة على تعزيز تواجدها في شرق أوروبا وفي منطقة البلطيق وشمال القوقاز بضمنها جورجيا وأوكرانيا ، وتعزيز القوات الأطلسية في دول البلطيق الثلاث (لاتفيا وأستونيا ) على حدود روسيا و(ليتوانيا ) على حدود كالينغراد التابعة لروسيا ولا ترتبط بحدود معها ،، فضلا عن بولونيا التي نصبَ بها الناتو درع صاروخي .. وبلغاريا ورومانيا (على البحر الأسود) التي نصبَ فيها مُعدّات تابعة للدرع الصاروخي.

من ناحية اخرى لاحظت الادارة لامريكية بان المنفذ المتبقي لكل من الصين وروسيا الى المياه الدافئة في البحر المتوسط تمر عبر ايران من خلال محور موسكو – طهران – بغداد – دمشق وصولا الى طرطوس على البحر المتوسط وحيث ان من الصعوبة التوصل الى ضم ايران الى التحالف الاسيوي الامريكي لامور تتعلق بطبيعة النظام السياسي في الجمهورية الاسلامية . في نفس الوقت نجحت الادارة الامريكية في خلق قاعدة عمليات قويه لها في أذربيجان، وهي المركز الجيواستراتيجية الأكثر أهمية في منطقة أوراسيا قلب العالم القديم، وتمثل بوابة السيطرة على منطقة حوض بحر قزوين الغني بالموارد النفطية والغاز الطبيعي، والذي من الممكن استخدامها لتهديد منطقة قلب الدولة الحيوي في إيران، وذلك لقربها الشديد من العاصمة طهران، والمناطق الإيرانية الفائقة الأهمية والحساسية، إضافة إلى وجود حجم ليس بالقليل لما يعرف بـ(الأقلية الأذربيجانية)الموجودة في شمال إيران، وتتميز بمشاعر عداء قوية إزاء المجتمع الإيراني، وتنشط داخلها حالياً بعض الحركات الانفصالية التي تطالب بالانفصال عن إيران والانضمام لأذربيجان، وكذلك تشكل قاعدة تهديد للمنشآت الروسية في مناطق منابع النفط الروسي ، ومحطات الطاقة الكهرومائية ، وأيضاً منطقة جنوب غرب روسيا التي تتمركز فيها الأنشطة الصناعية ، ولأنّ أذربيجان تشكل بطريقة أو بأخرى محطة لدعم الحركات المسلحة في آسيا الوسطى ومنطقة القفقاس، وبالتالي فإن دعم هذه الحركات عن طريق باكو من الممكن أن يؤدي إلى المزيد من القلاقل في هاتين المنطقتين.

لمواجهة الاندفاع الصيني في استراتيجية مبادرة الحزام والطريق فقد افترح (أيثان كابشتاين) البروفسور في جامعة أريزونا و(جاكوب شابيرو) البروفيسور في جامعة برينستون اللجوء الى (استراتيجية الجودو) وهي استراتيجية افتصادية مستمدة من مبادئ الجودو ، وهو فن قتالي ياباني ، وقد استخدمها (ديفيد بيوفي) و(ماري كواك) كمجاز في كتاب "إستراتيجية الجودو (2001). الأصول يمكن أن تعود إلى" اقتصاديات الجودو ، "مصطلح صاغه الاقتصاديان (جوديث جيلمان) و(ستيفن سالوب) لوصف استراتيجية عند بدء شركة في قطاع يهيمن عليه منافس كبير. تعتمد «استراتيجية الجودو» على استخدام قوة المنافس- وهو «الحجم الأكبر» في حالة الصين- ضده. على سبيل المثال: يمكن لشركات البيع بالتجزئة الصغيرة أن تتفوق على السلاسل الأكبر، المثقلة بالبنية التحتية المكلفة، عن طريق بيع السلع بسعر أرخص عبر الإنترنت. أو يمكنها تقديم تجربة استهلاكية تستهدف احتياجات العميل الفردية، وهو ما تعجز عنه الشركات العاملة على نطاق أوسع. تتكون «استراتيجية الجودو» من ثلاثة عناصر:

  1. الحركة: الاستفادة من الحجم الأصغر للعمل بسرعة وتحييد مزايا المنافس الأكبر حجمًا.
  2. التوازن: استيعاب ومكافحة تحركات المنافسين
  3. الرافعة المالية: استخدام نقاط قوة المنافسين ضدهم

لكي تكلل «استراتيجية الجودو» الأمريكية بالنجاح في مواجهة العملاق الصيني، يجب أن تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:

  1.  الاستفادة من انتهاكات الصين لمعايير الإقراض الدولية ضدها.
  2. تسليط الضوء على الفساد الذي تنطوي عليه خطة طريق الحرير الجديد
  3. التوظيف المبتكر لموارد المؤسسة الأمريكية الجديدة لتحرير الدول الواقعة في براثن بكين المالية

5.   الاستراتيجية الروسية في إدارة الصراع

روسيا دولة كبيرة ومجاورة لوسط أوروبا وشرقها، الأنها ليست أمة-جزيرة كما هو الحال بالنسبه للولايات المتحدة وبريطانيا، بل قارة مترامية الأطراف مع عدد قليل من الخصائص الجغرافية التي تحميها من الغزو يقول (شتراوس هوب) "في السياسة الخارجية الروسية، هناك عاملٌ أساسيٌّ مهيمنٌ وهو العامل الإستراتيجي، كانت أهدافه واحدة في أثناء الحقبتين القيصرية والشيوعية، وهي تجسيد حدود إستراتيجيةٍ معيّنة"، أي ان الحدود تقضي على الأخطار القادمة من العدو المطوِّق لروسيا. خلاصةُ القول، إنّ الجغرافيا الروسية الواسعة أدّت دورًا أهمّ في تشكيل تصوّرات القوة العظمى لدى صنّاع القرار الروس ودفعهم نحو التفكير بذلك، وربّما يظهر ذلك جليًّا في تصريح ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عامين من تولّيه الحكم حينما قال: "نحن قوةٌ عالمية، ليس بسبب أنّنا نمتلك قوةً عسكريةً عُظمى وقوةً اقتصاديةً مُحتملة، ولكن نحن كذلك لأسبابٍ جغرافيةٍ، سوف نظلّ موجودين مادّيًّا في أوروبا، وآسيا، في الشمال والجنوب، كما لنا في كلّ مكانٍ بعض من الاهتمامات والمخاوف .

ترتكز السياسة الخارجية الى عدد من مدارس استراتيجية جيوبوليتيكية تحدد الدور الروسي في النظام العالمي واهم تلك المدارس :

  1. المدرسة الأوراسية : يعتبر ابرز منظريها (بيتر نيكولايفتش سافيتسكي)، الذي وضع مصطلح "بؤرة التطور"، والتي يجب تتطابق شخصيتها الجغرافية مع الوسط أو المجال التاريخي- الإثني-الاقتصادي التي ترى فيه هذه الدولة مجالًا ينبغي أن يتطابق مع حدود الأرض التي تشغلها، واعتبر سافيتسكي أنّ روسيا- أوراسيا هي "بؤرة التطور" تلك، وألكسندر دي سفرسكي الذي يعود اليه الفضل له في صياغة نظرية جديدة في الجيوبوليتيكا تجعل من  القوة الجوية محور اهتمامها الأولّ،وقد عبّر سفرسكي عن ذلك بمبدئه القائل:من يملك السيادة الجوية، يستطيع أن يسيطر على مناطق تداخل النفوذ الجوي.ومن يسيطر على مناطق تداخل النفوذ الجوي، يصبح بيده مصير العالم [xxxix]. والمدرسة الاوراسية ترى أنّ لروسيا حضارة فريدة ذات مسارٍ خاص ومهمّة تاريخية خاصة أيضًا؛ وذلك لأجل إيجاد مركز قوةٍ وثقافةٍ مختلفتين، وهذا المركز لن يكون أوروبيًّا ولا آسيويًّا ولكن يتعامل مع الاثنين. وقد آمن الأورواسيون في المقابل، بالنهاية الحتمية للغرب، وأنّ ذلك سيكون وقتًا مناسبًا لروسيا؛ لتكون المثال العالمي الريادي .
  2. المدرسة الأوراسية الجديدة :وقد مثّل الأستاذ ألكسندر بنارين أحد أكثر وجوهها المعاصرة شهرةً مقتنع بأنّ مستقبل روسيا يعتمد على رفض الحداثة الاستهلاكية التنافسية المثالية التي يراها مُعبّرة في أغلب الأحيان عن النموذج الأمريكي. إنّ إمكانية تأثير الفكرة الأوراسية في الفلسفة السياسية الرسمية الروسية إلى هذا الحدّ تتحدّث عن أهميّة فهم تاريخ النزعة الأوراسية، وكيف سمح هذا التاريخ للفكرة أن تصير إيديولوجيا موحدّةً ممكنةً للسياسة الخارجية الروسية مثلما يُحاجج بنارين. لكن، وبالرغم من شهرة أفكار ألكسندر بنارين بين الأوراسيين الجدد الروس إلّا أنّها لم تجد طريقًا إلى الكرملين مثلما وجدت أفكار ألكسندر دوغين آذانًا صاغيةً هناك، فقد وضع الرجل أُسُسًا جيوبوليتيكية صلبة ذات خلفياتٍ فلسفية عميقة لمفهوم الأوراسية الجديدة؛ لتكون بمثابة الأيديولوجيا السياسية الأكثر تأثيرًا في روسيا المعاصرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. في سنة 1991،نشر دوغين مقالًا بعنوان: "حرب القارات ، وصف فيه ذلك الصراع الجيوبوليتيكي القائم آنذاك بين نمطين مختلفيْن من القوى العالمية: القوى البرية أو "روما الخالدة" التي ترتكز على مبادئ عديدة، مثل: الدولة المستقلة، والجماعة المحليّة، والمثالية، وتفوّق الخير المشترك. في المقابل توجد حضارات البحر، أو "قرطاجة الخالدة" التي ترتكز على مبادئ مختلفةٍ، مثل: النزعة الفردية، والنزعة المادية، إضافة إلى ميزة التجارة. وبحسب تصوّر دوغين، فإنّ "قرطاجة الخالدة" كانت قد تجسّدت تاريخيًّا في أثينا الديمقراطية، والإمبراطورية الألمانية والبريطانية كذلك، أمّا اليوم، فهي مُمثّلةٌ بالولايات المتحدة، في حين تجسّدت "روما الخالدة" في روسيا. وبالنسبة له، فإنّ الصراع بين هذه النمطيْن من القوى سوف يظلُّ قائمًا إلى أن يتمكّن أحد الطرفين من تدمير الآخر كليًّا، ولا يمكن لأيّ نمطٍ من النظم السياسية أو أيّ مقدارٍ هائلٍ من التجارة البينية بين الطرفين أن يتمكّن من إيقاف هذا الصراع. لذلك، فمن الأفضل أن تُسارع روسيا (الخيِّرة) إلى هزيمة أمريكا (الشريرة) مثلما يقول، كما ينبغي أن تأخذ الثورة المحافظة مكانتها في التاريخية الجديدة.
  3. مدرسة المؤسّساتية الدولية  وتتمثل بالتفكير الغورباتشوفي الجديد الذي يحثُّ على مسألة التعاون الدولي، ويتطلّبُ قيمًا ديمقراطية. فبحسب هؤلاء، يكفي أن تصير روسيا مشاركًا نشطًا في المنظمات السياسية والاقتصادية الدولية، وعليها أيضًا أن تتفاعل مع الغرب، وأن تتابع مبدأ "الأمن المتبادل" (Mutual Security). بعد نهاية الحرب الباردة والتحوّلات التي طالت النظام الدولي أيّد كلٌّ من الرئيس الأسبق بوريس يلتسين ووزير الخارجية الروسي أندري كوزيريف تلك الرؤية الداعية إلى تبنّي النزعة المؤسّساتية الدولية، وادّعى كلٌّ منهما أنّ روسيا سوف تتعاون مع الغرب، مرتكزةً على مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والسوق الحرّة. إلّا أنّه وبحلول سنة 1994، تمّ إنهاء النزعة المؤسّساتية الدولية في روسيا، مع تعرّض كوزيريف للنبذ، باعتباره أبرز مروّجي الإيديولوجيا الغربية
  4. مدرسة الليبرالية الجديدة  : وهي امتداد للمدرسة المؤسّساتية، ولاسيّما في مسألة التقارب السياسي والتعاون الاقتصادي المكثّف مع الغرب، فبعد نهاية الحرب الباردة وانتصار الليبرالية الغربية، صارت الأفكار الليبرالية طرحًا شائعًا بين الكثير من المثقفين والسياسيين الروس الذين رأوا في تحوّل روسيا نحو الغرب مصلحةً للدولة ورفاهيةً لشعبها. وهذه أفكارٌ مرتبطةٌ أيضًا بسياسيين روس، أمثال يغور غيدار.
  1. المدرسة الاوراسية الشيوعيه :يُمثّلُ هذه المدرسةَ الجيوبوليتيكيةَ الفكريةَ تيّارٌ اسمه: السوفيتيون الجدد أو الأوراسيون الشيوعيون وهم أصحاب رؤيةٍ شيوعية لروسيا في إطار الاتّحاد السوفيتي. تدعو هذه المدرسة إلى عودة الاتّحاد السوفيتي، فروسيا لن تحظ مجدّدًا بالاحترام الدولي ما لم تستعد مجد الاتّحاد السوفيتي وحدوده السياسية. ويُعدّ الأستاذ غينادي زيوغانوف.
  2. المدرسة الاوراسية القارية :وهي قريبة من اليمين الروسي الجديد، وطروحات ألكسندر دوغين الأوراسية الجديدة، ولعلّ أكثر منظّريه بروزًا الأستاذ يورديس فون لوهاوزين الذي تميّز بتفكيره العابر للقارات، على حدّ وصف ألكسندر دوغين له. ولوهاوزين هو جنرال نمساوي ذو هوى أوراسي طبعًا، يلتزم النظرة العلميّة الصارمة، ويتميّز بتحليلاته الجيوبوليتيكية الصرفة، وله منطق يشبه منطق الوطنيين- البولشفيك و"اليمينيين الجدد"، كما أنّه ذو فكر قاري، ومن أتباع كارل هاوسهوفر. كتب لوهاوزين كتابًا بعنوان: "رجولة امتلاك السلطة، التفكير عبر القارات"، يُبرزُ فيه اهتمامه بمسألة السلطة السياسية ورجالاتها الذين يجب أن يتحلّوا بتفكيرٍ بعيد المدى: "عبر آلاف السنين، وعبر القارات"، بدلًا من التفكير من خلال المقولات الآنيّة المحليّة. ويقترح لوهاوزين المعادلة الآتية للسلطةالعظمة= القوة×مكان المتوضع. إذ يقول: "وبما أنّ العَظَمة هي القوة مضروبةً بمكان التموضع، فإنّ التموضع الجغرافي المناسب يُمَكّنُ من التطوير الكامل للقوى الداخلية". لذلك، فإنّ السلطة السياسية العقلانية وما إلى ذلك ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالمدى المكاني. ويَفصِل لوهاوزين مصير أوروبا عن مصير الغرب، معتبرًا أوروبا تكوّنًا قاريًّا وقع لفترةٍ محدودةٍ تحت سيطرة التالاسوكراتيا، ولكن أوروبا في حاجة إلى الحد الأدنى المكاني (الموقع الجغرافي) من أجل تحريرها السياسي. ويمكن تحقيق هذا الحدّ الأدنى فقط عبر توحيد ألمانيا، والعمليات التكاملية في أوروبا الوسطى، وإقامة الوحدة الترابية لبروسيا، ثمّ تشكيل الدول الأوروبية مستقبلًا في حلفٍ مستقلٍ موّحدٍ لا علاقة له بالأطلسية .
  3. مدرسة سبادة الدولة: وتدعو الى دولة قوية، مرتكزة على ديمقراطيةٍ غربية الطراز، وقومية روسية جديدة، وهويّة فريدة. ويرى هؤلاء روسيا باعتبارها حضارةً متميّزةً، لها طريقها الخاصّ في توحيد أوروبا وآسيا، وإرساء أوراسيا، وزيادة التأثير الجيوبوليتيكي. كما يرون أنّ قيم الثقافة الروسية والمصالح الروسية والسياسة الروسية غير متوافقة مع الغرب. إنّ هدف روسيا هو متابعة طريقها الثقافي الخاص من خلال تطوير تقاليد وطنية خاصة، ومن خلال التعاون بين قوميات أوراسيا. ويؤيّد الديمقراطيون الدولاتيون تنمية الاقتصاد الروسي في إطار اقتصاد السوق، ويأخذون بعين الاعتبار مسألة التعاون مع الغرب ومؤسّساته الدولية. وبدلًا من أن تصير روسيا صاحبة عواطف جيوبوليتيكية، فإنّهم يحثّون روسيا على أن تتّجه لموازنة الولايات المتحدة ومنافسيها. لذلك، فهم يتصوّرون القوة الجيوبوليتيكية الروسية والهيمنة الأوراسية في التعاون مع الخارج القريب، أو التأثير فيه، إضافة إلى كلٍّ من الغرب وآسيا؛ لأجل زيادة قدراتها الجيوبوليتيكية. من ابرز اساتذتها (فلاديمير أوزتانكوف) رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية العسكرية التابع لهيئة الأركان العامة الروسية .
  4. مدرسة الواقعية الجديدة : ندعو هذه المدرسة الى تطوير جملةٍ من المفاهيم والأفكار المتنوّعة؛ للتفريق بين أنماطٍ مختلفةٍ من الأنظمة، كنظام القطب الواحد، ونظام القطبين، والنظام متعدّد الأقطاب من جهة، وبين التهديدات الأمنية من جهة أخرى. على سبيل المثال، ومن أساتذة هذه المدرسة (ألكسي بوكاتوروف) الذي يدعو الى النظر في النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة على أنّه نظام "أحادي تعدّدي القطب الذي يكون فيه مركز القطبية عبارة عن مجموعةٍ من الدول المسؤولة (من بينها روسيا) بدلًا من دولة واحدة فقط (أي الولايات المتحدة). ونظر بوكاتوروف إلى روسيا باعتبارها عضوًا في مجموعة، وحاجج بدعم مكانتها داخل المركز العالمي، كما أنّه رفض فكرة وجود دولة قطبية أحادية في العالم.

            يعد وصول فلاديمير بوتن الى رأس السلطة في روسيا عام 2000 انتقاله نوعية وحالة من التحول في البناء الاستراتيجي الروسي على مستوى الفعل والاداء الخارجي، فمن هذا التأريخ بدأت روسيا بالظهور من جديد على الساحة الدولية. فقد اتجه الرئيس بوتين نحو تبني مبدا النهوض بروسيا على الصعيد السياسي وتنظيم الحياة السياسية، وانتشالها من حالة الفوضى والصراع نحو الصعود والريادة على المستوى الدولي. كما تبنى نهجا براغماتي يستند الى المصالح بدرجة عالية من المرونة بعيدا عن الرؤية الأيديولوجية الضيقة ، والتي تهدف الى استعادة المكانة كدولة عظمى، مما شكل اساسا للمسعى الروسي لتعزيز النفوذ في العالم [xl] وذلك لمجموعة من الاهداف :  

  1. العوامل الجيواستراتيجية المتمثلة في اتجاه روسيا إلى تعزيز تواجدها في البحر الأسود والبحر المتوسط بعد ضم شبه جزيرة القرم لروسيا عام 2014 .وهو ماتضمنته العقيدة العسكرية البحرية الجديدة التي صدق عليها الرئيس بوتين في 26 يوليو 2015 ،حيث نصت الوثيقة على ضمان وجود عسكري بحري دائم لروسيا في البحر المتوسط ، وتعزيز الموقع الاستراتيجي لروسيا في البحر الأسود ردا على تحركات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود على خلفية الأزمة الأوكرانية [xli].
  2. إلحاح التهديد الذي يمثله تصاعد الإرهاب في المنطقة والذي طال روسيا وفضائها السوفيتي السابق.
  3. إن الأمن القومي الروسي بأبعاده الاقتصادية مرتبط  ارتباطا وثيقا بالمنطقة نظرا لحيوية دور دول المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية، في إطارمنظمة أوبك في تحديد أسعارالنفط.
  4. التغيرفي ميزان القوى الدولي مع تصاعد القدرات الروسية والتراجع النسبي في الاداء الامريكي. فالنظام الدولي قد تغيربالفعل باتجاه التعددية ، وعودة روسيا كقوة فاعلة أصبح واقعا نتيجة النمو المضطرد في قدراتها الشاملة على مدى العقد ونصف الماضيين.

تعتبر الاستراتيجية الروسية ان الحفاظ وضمان علاقاتها المهمة مع عدد من الأطراف الإقليمية ، وتكوين تحالفات جديدة من ضرورات امنها القومي[xlii]. في عام 2000 قام الرئيس بوتين بتوقيع عقيدة الأمن الوطني لروسيا ثمّ الوثيقة اللاحقة التي أقرّها الرئيس في 20 حزيران من العام نفسه والمتعلقة بالعقيدة الخارجيّة الروسيّة [xliii]. وبدأت روسيا تسعى لاستعادة مجد الإتحاد السوفياتي الضائع محاولة تحقيق توازن بين المعارضة التدريجيّة الليّنة إزاء التوسّع الظاهر لحلف شمال الأطلسي في مناطق نفوذها السابقة، وبين المحافظة على علاقتها الحسنة بالولايات المتّحدة وكل من ألمانيا وفرنسا.و قد توافقت في تلك الفترة سياسة بوتين الهادفة إلى تحديث الجيش و خفض نفقاته عبر التخلّص من الأسلحة النووية المكلفة ومن الصواريخ البالستيّة [xliv]، مع توجّهات الإدارة الأميركية لتجريد روسيا من قوّتها النووية التي تعتبر خطرا من المنظور الأميركي، سواء بقيت في خدمة الروس أم انتقلت إلى أيدي منظّمات إرهابية ودول أخرى نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي و حاجة روسيا المّاسة إلى المال.

من وجهة نظر الثوابت الجيوبوليتيكية، تتمتع إيران دون شك بالأولوية لأنها تستجيب لجميع المعايير الأوراسية؛ فهي دولة قارية كبرى ترتبط ارتباطاً شديداً بآسيا الصغرى، وهي معادية لأميركا، وتقليدية ، وتركّز في الوقت نفسه على الاتّجاه السياسي الاجتماعي. وعلى الأرض، تحتل إيران ذلك الموقع الذي يجعل من محور موسكو ­ طهران قادراً على أن يحلّ عدداً ضخماً من المشاكل، إذ  بإدخال إيران قطباً جنوبياً، يمكن لروسيا أن تحقّق على الفور الهدف الإستراتيجي الذي ما انفكّت تسعى إليه (بطرق خاطئة) منذ بضع مئات من السنين وهو الخروج إلى المياه الدافئة، ولذلك فإنّ روسيا تسعى دائماً إلى توثيق علاقاتها بإيران على الصّعد كافّة وصولاً إلى الهدف المنشود،  وهو الوصول الاستراتيجي إلى الشواطئ الإيرانيّة والقواعد الحربيّة ­ البحريّة بالدرجة الأولى. وبذلك يكون محور موسكو  ­ طهران قد اخترق "الأناكوندا" دفعة واحدة في أضعف نقاطها [xlv]، وفتح لروسيا آفاقاً لا حدود لها بغية الحصول على جسور جديدة لبلوغ المياه الدافئة وبالتالي إختراق مناطق النفوذ الأميركية القائمة  على تخومها.

يقول الكاتب وسيم خليل قلعجية: "هذا التواصل الجغرافي الذي تتمتع به الجمهورية الإسلامية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط يفرض على روسيا الاتحادية تحقيق تواصل جيوبوليتيكي مع إيران، حيث تحاول موسكو الاستفادة من الموقع الإيراني في لعبة الصراع مع واشنطن، كون السياسة الإيرانية هي في موقع النقيض مع السياسة الأمريكية وطهران لا تزال على خلاف وعداء مع واشنطن. من هنا، فإن موسكو تعمل على استغلال الموقع الإيراني في إطار الصراع مع واشنطن ضمن خطة تتضمن اعترافاً عملياً بضعف موقع روسيا الاتحادية النسبي في منطقة الشرق الوسط مقارنة مع موقف الولايات المتحدة الأميركية. بالتالي، فإن روسيا الاتحادية لا تنظر إلى إيران كخصم بل كشريك وحليف استراتيجي سيساعدها على تحدي القوة الأمريكية من خلال توسيع نوفذ روسيا الاتحادية الإقليمي والدولي، وتهدف هذه الاستراتيجية أساساً إلى إيجاد عالم متعدد الأقطاب، حيث تحاول كل من روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إضعاف القوة والتواجد الأميركية في الشرق الأوسط ومن خلاله إضعاف حلف الشمال الأطلسي وتكوين حلف سياسي ـ عسكري مضاد يكون موازياً للهيمنة الأميركية في الرق الأوسط تشكل سورية نقطة ارتكازه"[xlvi].

6.الاستراتيجية الصينية في إدارة الصراع   

تعد السياسة الخارجية المرآ ة التي تعكس آراء الدولة وتوجهاتها نحو المواقف المختلفة في الساحة الدولية، لكن لهذه السياسة مجموعة من المحددات التي تشكلها وتعمل على صياغتها في اتجاه معين يخدم مصلحة الدولة بشكل عام، كما ان هذه السياسة تتعدد جهات تشكيلها. و تتأثر السياسة الخارجية للدولة بعدة محددات اهمها القيادة السياسية وجماعات المصالح والاحزاب السياسية والرأي العام [xlvii]. وقد بدأت الاستراتيجية الصينية في استقراء الواقع الدولي وتحولها من دولة إقليمية الى دولة ذات فاعلية دولية وعالمية تتنافس مع القوى الكبرى على الهيمنة العالمية، لاسيما بعد ان ضمنت شروط تفوقها وهيمنتها في محيطها الإقليمي في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، حيث أثبتت الصين قوتها السياسية والاقتصادية في ظل الازمات الاقتصادية الدولية التي تعرضت لها معظم التكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية بما فيها منطقة شرق وجنوب شرق آسيا باستثناء الصين نتيجة لقوتها الاقتصادية وتنميتها المتواصلة وهي ميزة استطاعت من خلالها تقديم المساعدات المالية لمعظم بلدان شرق وجنوب شرق آسيا بل كانت مستعدة لتقديم المساعدات المالية لكثير من دول أوربا التي تعرضت للأزمة المالية والاقتصادية العالمية .

ان عملية اتخاذ القرار تعني مجموعة القواعد والاساليب التي يستعملها المشاركون في هيكل اتخاذ القرار لتفضيل اختيار معين او اختيارات معينة لحل مشكلة ما [xlviii] . وقد تطورت مؤسسات صنع القرار في الصين، مع تعاقب مختلف القيادات، ففي عهد ماو كانت معظم قرارات السياسة الخارجية كان القرارات النهائية تتصف بالمركزية الشديدة. ولكن بعد وفاة (ماوتسي تونغ)  حدث تغيير في السياسات الصينية لتصبح تتجه الى المؤسساتية ولم تعد تعتمد بشكل كبير على الصفة الفردية لأحد القادة. ومن أحد محاور التغير في الصين إتاحة فرصة أكبر للدور الذي تلعبه هيئات الإدارة الحكومية المتناظرة والمختصة بقضايا السياسة الرئيسية، والمعروفة باسم "المجموعات القيادية الصغيرة"، كما قامت بكين فى أواخر عام 2000 بتأسيس "مجموعة قيادية جديدة للأمن القومي".   كما تشكل هذه الهيئات الصورة العامة للنظام السياسي، وأيضاً فإنه من شأنها تقييد السلطة التي يستقل بها فرد أو حزب.[xlix] تتسم الثقافة الاستراتيجية الصينية بعدد من السمات العامة :

  1. الاعتقاد بأن الصين تتمتع بتميز ثقافي وسياسي .
  2. تأكيد الوحدة والسيادة داخليا .
  3. ضرورة تجنب الحرب والقتال المباشر .

عملت الصين أيضاً على تنويع مصادر التحليلات السياسية التي تصل إليها من داخل الحكومة أو من خارجها. فعلى سبيل المثال فإن القسم الجديد للتخطيط المتطور لسياسة وزارة الخارجية يلعب الآن دوراً بارزاً كأحد مصادر الفكر السياسي الداخلية، ومن ناحية أخرى فقد بدأت الحكومة فى تعيين متخصصين من خارج الحكومة للاستعانة بهم كمستشارين للقضايا الفنية مثل تلك التي تتعلق بعدم انتشار الأسلحة المحظورة والدفاع الصاروخي. هذا ويشارك عدد كبير من الدارسين والمحللين السياسيين الصينيين بصورة منتظمة فى مجموعات الدراسة الداخلية وكتابة التقريرات، إلى جانب تصميم بعض المختصرات السياسية، حيث يقوم هؤلاء الدارسون والمحللون السياسيون بكثير من الدراسات والزيارات للخارج للالتقاء بنظائرهم من الخبراء الدوليين بالإضافة إلى أنهم يلفتون أنظار الزعماء الصينيين إلى الاتجاهات الدولية السائدة ويطرحونها عليهم فى قالب من الخيارات السياسية.       وهناك أيضاً عامل آخر كانت له بصمة واضحة فى تطوير عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية للصين وهو توسيع رقعة المناقشة العامة لتشمل الشئون العالمية. فلم يكن هناك أية مناقشات مفتوحة تتناول المشكلات الحساسة مثل حظر الأسلحة أو الدفاع الصاروخي فى خلال العشر سنوات الماضية، ولكن فى الوقت الراهن يستطيع النقاد أن يتناولوا كل تلك القضايا بالدراسة فى آرائهم ولقاءاتهم التليفزيونية إلى جانب مؤلفاتهم بفرض تفعيل وهيكلة الدبلوماسية الصينية. وفى الوقت نفسه فقد بدأت فئة من الصينيين تضم مسئولي الإعلام والمتحدثين الرسميين للحزب الشيوعى والصحف اليومية الشعبية تجرى مباحثات باستخدام أسلوب المائدة المستديرة بالاستعانة بالإدارة الصريحة للمحللين الجدد حتى إن بعض الصحف وخاصة "الهوانكى شيباو" (أوقات عالمية) و"النانفانج زومو" (نهاية الأسبوع الجنوبي) قد نشرت بعض الآراء المطالبة بإيجاد بدائل لسياسة الحزب الرسمي مثل تلك التي تتعلق بكوريا الشمالية[l].

وبحسب النظرة السياسية الصينية فأنه لا يمكن لأي طريق تنموي أن يكون على حساب المصالح الوطنية الكبرى، وخاصة المصالح الجوهرية، والتي تتلخص في :[li]

  1. استقرار دولة الصين نظامها وحكمها السياسي، أي قيادة الحزب الشيوعي الصيني والنظام الاشتراكي والاشتراكية ذات الخصائص الصينية .
  2. سيادة الصين وسلامة أراضيها والوحدة الوطنية من خلال ضمان الوحدة الجغرافية والإقليمية للصين الكبيرة والممتدة فوق مساحات شاسعة والمتعددة عرقيا ودينيا واقتصاديا، وذلك يتطلب وضع الجهد الكافي لمنع التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية خاصة فيما يتعلق بالأقليات في التبت وتركستان الصينية، ومن اجل ذلك فتحت الصين قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة مع العديد من دول العالم لتحديث جيشها وقواتها المسلحة لاسيما في . ضوء الإستراتيجية الصينية بتقليل عدد الجنود وزيادة فاعلية العامل التقني البشري.
  3.  توفير ضمانة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للصين و لاتحتمل هذه المصالح أي انتهاك

بالنسبة لمفهوم "الأمن القومي الصيني" فقد بقي حبيس قناعة راسخة تقتصر على "حماية الحدود" أو ما يُطلق عليه نظرية "سور الصين العظيم"، وهو كناية عن التقوقع داخل الحدود والانكفاء عن لعب أي دور حيوي خارج هذه الأسوار[lii]. لكن مع التطورات الأخيرة يبدو أن الصين شرعت بتوسيع رؤيتها لمفهوم الأمن القومي آخذة بالاعتبار النمو المتسارع لاقتصادها، واتساع رقعة المصالح الصينية في الخارج، وبروز "أمن الطاقة" كأحد أهم مرتكزات الأمن القومي الذي يضمن استمرار عجلة الاقتصاد الصيني بالدوران. [liii]

اهم خصائص النظام السياسي الصيني:[liv]

  1. تركز سلطة الدولة في مؤسسات وبنيات الحزب الشيوعي والعمل بنموذج الدولة شديدة المركزية المسيطرة بمنافذ التأثير على المجتمع .
  2.  وجود ايديولوجية رسمية تعتنقها النخبة الحاكمة والحزب الحاكم، وتتخذها ركيزة لبناء وصياغة السياسات العمومية للدولة داخليا وخارجيا.
  3.  وجود حزب شيوعي قوي تتداخل اختصاصاته مع اختصاصات الهيئات الحكومية المركزية والمناطقية

في العام 1995، أعلن الرئيس الصيني أن “قوى الغرب المعادية لم تتخلّ دقيقة واحدة عن خططها الرامية إلى تغريب بلادنا وتقسيمها”، بينما صرّح وزير خارجيته قبيل الاجتماع السنوي لحلف آسيان في العام نفسه “إننا لا نعترف بتطاول الولايات المتحدة للقيام بدور ضمانة السلم والاستقرار في آسيا[lv]  . من ناحية أخرى ادلى الخبراء الصينيين بدلوهم في تفسير الصراع فقد قالت زي زونغوان مديرة المعهد الأميركي التابع لأكاديمية العلوم الصينية، "تعتقد أميركا أن الصين تتطور بسرعة فائقة، ويصبح التحكم بها أكثر صعوبة. وبعبارة أخرى فإن تسريع التحديث الصيني لا يبدو دائمًا متماشيًا مع المصالح الأميركية[lvi]  . وفي تقرير قُدّم إلى المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، صرّح الرئيس الصيني جيانغ زيمين: إن الصين واجهت “فترة 20 عامًا من الفرص الاستراتيجية” التي من شأنها أن تسمح للبلد بصوغ وانتهاج استراتيجية دولية “معتدلة وبراغماتية” تركز على التنمية المحلية[lvii].

اذن فقد ادركت الصين ان ما تفعله الولايات المتحدة هو محاولة لابقاءها معزولة عن العالم في نفس الوقت الذي يتم استعمالها مصدرا للصناعات الرخيصة الثمن . من منطلق ذلك الادراك فقد قررت الصين بعد انتهاء الحقبة الماوية اتخاذ طريق جديد يتمثل في التحديثات الأربعة وتشمل أربع قطاعات هي، الزراعة، الصناعة، التقنيات، والدفاع.[lviii]  حيث تبلورت هذه الإصلاحات في سياق نظريتين هما:[lix]

  1. نظرية عصفور القفص: حيث تقوم على أساس السماح بليبرالية اقتصادية ضمن أسس اشتر اكية، بمعنى إدخال إصلاحات على النظام الإشتراكي من أجل التكيف مع المستجدات الرأسمالية ويشبه ذلك العصفور الذي يمكنه الطيران كما يريد لكن دون الخروج من القفص .  
  2.  نظرية القط: وفحواها القبول بأي سياسات تؤدي إلى النمو الإقتصادي والتقليل من دور الإيديولوجيات من خلال ما يعرف بسياسة الباب المفتوح لكل الشر اكات مع الدول الأخرى في المجال الاقتصادي، حيث دافع الزعيم دينغ هيساو بينغ عن هذه الفكرة بقوله " ليس مهما أن يكون القط أبيض أو أسود بل المهم أن يأكل الفئران " .

من ناحية الااستراتيجية الدفاعية الصينية فهي ترتكز على :

  1. تأمين حماية خطوط النقل البحري الحيوية لنمو اقتصاد الصين.
  2. حماية المنطقة الساحلية الشرقية للصين، والتي تتضمن المنطقة الاقتصادية الأكثر حيوية في البلد. ويكون ذلك وفق مبدأ “الدفاع عن البحار في الخارج”، وذلك من خلال توسيع امتداد الحماية البحرية لمسافة تبعد مئات الأميال عن السواحل الصينية، بطريقة إنشاء قواعد في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، ونشر غواصات قي المحيط الهندي وامتلاك قواعد ما وراء الإقليم. ويسمح الموقع الجغرافي الفريد للصين بفرض السيطرة على بحارها المحلية (البحر الأصفر، وبحر شرق الصين وبحر الصين الجنوبي)، وهو ما يثير حفيظة واشنطن إذ يُفقدها السيطرة البحرية في المنطقة. وضمن عناصر استراتيجية الصين العسكرية، قيامها بتزويد أسطولها البحري بحاملة طائرات لن تكون الوحيدة فقد شرعت في بناء غيرها، كما أنها نقلت الاتجاه العملياتي لقواها الجوية من الشمال نحو الجنوب، منذ أواخر عهد الحرب الباردة وتسوية علاقاتها مع موسكو. وتنفّذ القوات الجوية الصينية تدريبات عسكرية في أعالي البحار تقول إنها “نشاط عسكري عادي روتيني لتعزيز قدراتها على حماية السيادة الوطنية والأمن الوطني والمصالح التنموية[lx].

وعلى الرغم من تأكيد الصينيين في الوثيقة الرسمية حول استراتيجيتهم العسكرية، من القول “لن نهاجِم ما لم نُهاجَم ولكننا سنشن بالتأكيد هجوما مضادًا إذا ما تعرضنا لهجوم”، فالوثيقة ذاتها تتضمن السعي لأخذ زمام المبادرة الاستراتيجية فى الصراع العسكري، والتخطيط للصراع العسكري على نحو استباقي فى كل الاتجاهات والمجالات، واغتنام الفرص لتسريع البناء العسكري، والإصلاح والتنمية"[lxi].

وقد ورد في “الكتاب الأبيض التاسع” الصيني حول الدفاع تحت عنوان: “الاستراتيجية العسكرية الصينية”، إن القوات المسلحة الصينية ستواصل تعزيز نموذج جديد من العلاقات العسكرية مع القوات المسلحة الأميركية حيث ستدعم الصين الحوارات المتعلقة بمجالات الدفاع والتبادل والتعاون مع الجيش الأميركي [lxii]. وأكّد الزعماء والأكاديميون الصينيون تدريجيًا -على مدى السنوات القليلة الماضية – موقع الصين بوصفها تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وفي المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني، في تشرين الأول/ أكتوبر 2007، أيّد الرئيس هو جينتاو فكرة السعي لتحقيق “عالم متناغم” وشملت هذه الفكرة الأساسيات الصينية القائلة بـ”التنوع والمساواة” في العلاقات الدولية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية [lxiii].هذا يعني إقرارًا صينيًا بحجم ودور الولايات المتحدة على مستوى العالم، مع تأكيد حجم وأهمّية الدور الصيني. وقد رأى بريجنسكي أن “دور الصين النافذ والصاعد في الشؤون العالمية واقع سيتعين على الأميركيين أن يتكيفوا معه، بدلًا من أبْلَسَتِه أو الاستغراق في أحلام اليقظة حول سقوطه"[lxiv] .

7.اثر الجغرافيا على استراتيجيات الصراع

أدّت الجغرافيا منذ آلاف السنين دورًا رياديًّا في تحديد نمط سلوك الوحدات السياسية، وتصورات القادة والمجتمعات للدور الذي ينبغي أن تضطلع به "دولتهم"، والمكانة التي ينبغي أن يأخذها مجتمعهم في علاقته ببقية الوحدات السياسية والمجتمعات، سواء في زمن الحرب أم في أوقات السلام [lxv].  

يعتقد الباحثون أن العالم اليوناني استرابو (64-20 ق.م) هو أول من تحـدث عن أهمية المواقع الجغرافية المختلفة للمراكز العمرانية ولاسيما المدنية منها، والدور الحاسم للموقع الجغرافي في نشوء المدن وتطورها، مؤكداً ضرورة اختيـار المواقـع التي تتمتع بشروط طبيعية واقتصادية ملائمة، مثل التوجه نحو الشمس وتوافر الميـاه والأراضي الزراعية الخصبة... وغيرها [lxvi]. استخدم الموقع كمفهوم عام منذ نهاية القرن18م، فقد تناوله بالدراسة الجغرافـي الألماني فريدريك راتزل قائلاً: إن الموقع الجغرافي يعكس التبعية إلى مكان معين .

يؤكد الجيوبوليتيكي الأمريكي الشهير نيكولاس سبيكمان هذه الحقيقة، حينما كتب في أعقاب الحرب العالمية الثانية سنة 1942 يقول: "الجغرافيا لا تُجادل، فهي ما هي عليه ببساطة... الجغرافيا هي العامل الأكثر أهمية في السياسة الخارجية للدول، لأنّها أكثر العوامل ديمومة، يأتي الوزراء ويذهبون، وحتّى الطغاة يموتون، لكن السلاسل الجبلية تظلّ راسخة في مكانها. إنّ جورج واشنطن الذي دافع عن ثلاثة عشرة ولاية بجيش غير نظامي، خلّفه فرانكلين روزفيلت الذي كانت تحت تصرّفه موارد قارة بأسرها، لكن المحيط الأطلسي استمر في فصل أوروبا عن الولايات المتحدة، كما أنّ موانئ نهر سانت لورنس لا تزال تُغلَق بسبب الجليد في فصل الشتاء. أمّا ألكسندر الأول وهو قيصر جميع الأراضي الروسية فقد أورثَ جوزيف ستالين ليس فقط سلطته ولكن كفاحه الذي لا ينتهي للوصول إلى المياه الدافئة"... انظرروربت كابلان، انتقام الجغرافيا: ما الذي تُخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة وعن الحرب ضدّ المصير؟ ترجمة إيهاب عبد الرحيم علي، سلسلة عالم المعرفة، الطبعة الأولى، يناير 2015، الكويت، ص50، صحيح أنّ الإنسان هو الذي يبادر ويستخدم الجغرافيا أو يُعطلّها، لكنّ الجغرافيا هي التي تحدّد مصيره، وهذا لخصّه ماكيندر في جملة واحدة حينما قال: "الإنسان هو من يبادر وليس الطبيعة، لكن الطبيعة هي التي تتحكّم بشكل أكبر" .

    يلعب العامل لجغرافي دورا هاما في تحديد التوجهات العامة للسياسة الخارجية لأيـة دولة، و هو الأمر الذي أكدت عليه دراسات " ماكيندر" و " مارشال ماكلوهان".تشرف الصين على طرق هامة للمواصلات و التجارة في العالم سواء البرية، كطريق الحرير(silk road)، أو البحرية بإطلالها على المحيط الهادي، و بحر الصين الجنوبي، و بحر الصين الشرقي، و البحر الأصفر، و مضيق فرموزا.[lxvii]

يرى دوغين أنّ للولايات المتحدة آليتين أساسيتين لتحقيق هذه المهمة، هما: أولًا، عبر السيطرة غير المباشرة من خلال العولمة، وهي أكثر الآليات خطورةً بالنسبة لروسيا؛ لأنّها آلية زاحفة وحادّة الذكاء، بل إنّ الروس لا يفهمون حتّى بأنّهم يُفترَسون من طرف الوحش الأمريكي على حدّ تعبيره. لذلك، على روسيا أن تجتهد للمحافظة على استقلالها الرسمي، لكن لن يكون ذلك أمرًا مجانيًّا، فمن الممكن أن يُسيطَر عليها من طرف "المؤسسات العابرة للقوميات"، التي تُعدّ في الحقيقة أداةً أمريكية للهيمنة العالمية. أيضًا، يمكن للولايات المتحدة استخدام الروس الموالين لها في لعبة جيوبوليتيكية ما ضدّ تهديدات جيوبوليتيكية أخرى، مثلًا، لأجل موازنة الصين أو العالم الإسلامي. أمّا السيناريو الثاني فينطوي على تفكيك روسيا، وجعل الولايات المتحدة في حالة هيمنة كاملة. في هذا السيناريو، سوف تكون النخب الأمريكية بطيئةً وحذرةً في تفعيل هذا التفكّك. إذا كانت العملية سريعةً، والتورط الأمريكي واضحًا جدًّا، فمن الممكن أن يقود ذلك إلى صعود نخبةٍ راديكاليةٍ في روسيا تواجه الولايات المتحدة بشكل مباشر. أشار دوغين إلى أنّ نخبةً كهذه من الممكن أن تتصرّف بشكلٍ سريعٍ ورجعي. من الممكن أن يؤدّي التفكّك السريع إلى الفوضى، فوضى لن تكون أيضًا في مصلحة الولايات المتحدة، مع ذلك يؤمن دوغين أنّ الولايات المتحدة سوف تقبل المخاطرة لأجل فوائد أكبر، هزيمة المنافس الجيوبوليتيكي الأكبر هو خيار جذّاب لا ينبغي استبعاده.

8.   العراق في خضم الصراع

يرى كارل ماركس أن عامل الموقع الجغرافي يعد- في بعـض الحالات-  (كاستثمار أراضٍ وأقاليم جديدة) أكثر أهمية من خصوبة التربة[lxviii]. والمتتبع لنشوء الدول الحديثة يجد أن المقومات الجغرافية المختلفة تشكل الحجر الأساس في ذلك النشوء والتطور وعند دراسة تلك المقومات بشكل تفصيلي يبرز الموقع الجغرافي للدولة وتأثيره في تاريخها السياسي واضحا للعيان.

من الناحية الجغرافية يقع العراق في منطقة الشرق الأوسط في القسم الجنوبي الغربي من قارة آسيا، ،تحده من الشمال تركيا ومن الشرق ايران ومن الغرب سوريا والاردن، ومن الجنوب الغربي السعودية، ومن الجنوب الكويت والخليج [lxix] . إن موقع العراق هذا جعله يحتل أهمية استراتيجية بالغة، ويشكل جسرا أرضياً يربط الخليج بالبحر المتوسط عبر سوريا التي تمثل مدخلا للشرق الاوسط من جهة والبحر الاحمر عبر الاردن من جهة أخرى، بيد أن الذي زاد من أهمية موقعه الجغرافي هو قربه من الاسواق العالمية، ، فالسيطرة على هذا الطريق تعني السيطرة على حركة الملاحة والتجارة.

بهذا الوصف يكون العراق على حافة منطقة " الهارت لاند " التي حددها "هالفورد ماكيندر" في نظريته المعروفة باسم "القوة البرية" ، أي ضمن منطقة القوس الداخلي المحيط بقلب الارض، فهو يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً في حسابات الدول الكبرى . فكان لذلك الموقع أثر كبير في أحواله السياسية والاقتصادية، مما جعله ممرا للأقوام الغازية أو المهاجرة، وأصبحت له أهمية دولية كمركز للحكم وأثر حاسم في النزاعات الدولية، فقد اتخذ العراق عاصمة لجميع المحتلين[lxx].

اما الكسندر دي سفرسكي، عالم الجيوبولتيك الروسي فيعتبر ان العراق يقع ضمن منطقة التداخل بين نفوذ القوة الجوية الأمريكية والقوة الجوية الروسية التي تعد من أهم المناطق من الناحية الجيوبولتيكية، فالعراق يشغل موقعاً استراتيجياً يتوسط العالم، مما جعله يقع على أقصر طرق الخطوط الجوية التي تربط الشرق بالغرب والجنوب الآسيوي بأوربا [lxxi].  

من خلال دراسة الخرائط للتجارة الدولية نجد أن موقع العراق يقع في عقدة خطوط الموصلات، فكل طرق التجارة البرية بين الشرق والغرب تمرُّ حتماً من خلاله، وأن خطوط الغاز المستقبلية سواء أكانت ضمن مشروع نورث ستريم الروسي أو مشروع نابكو الأمريكي تمرُّ خلاله أيضاً، وأن مشروع مد أنابيب الغاز القطرية إلى أوروبا عبر تركيا يجب أن تمر من خلال العراق بحيث إن الاستثمار الصحيح لهذا الموقع يمكن إن يحول البلاد إلى أهم بقعة على وجه الكرة الأرضية، فالاستثمار القائم على أسس علمية يمكن أن يغيّر من خارطة النقل البحري العالمية؛ لأنه سينقل البضائع من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا عبر العراق .

بالنسبة للنظريات الجيوبولتيكية يعتبر العراق نقطة الاتصال التي تربط بين القلب الشمالي وهي الرقعة الجغرافية الممتدة بين الفولغا حتى شرق سيبيريا والقلب الجنوبي التي تشمل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما وانه ووفقاً لما جاء في تلك النظريات يدخل ضمن الهلال الداخلي الذي يشمل سواحل أوربا والجزيرة العربية وسواحل جنوب شرقي أسيا والهند وقسماً كبيراً من البر الصيني المحيط بمنطقة الارتكاز التي تشمل نطاق الاستبس من التركستان الروسية حتى جنوب شرقي أوربا, وبما ان العراق يقع في نهاية الهلال الداخلي من جهة الشرق في قلب جزيرة العالم بين القارات الثلاثة القديمة لذا فأن موقعه الجغرافي ذو أهمية استراتيجية عالية وكبيرة بسبب تحكمه بالطريق الذي يربط بين تلك القارات .ومن ناحية امن الطاقة فقد اتفق الخبراء ان من يسيطر على منطقة الموصل وشمال سوريا سوف يتحكم بشريان انابيب الغاز التي تنطلق من روسيا التي تسيطر على 75% من انتاج الغاز بالعالم وقطر التي تعتبر من اكبر مصدري الغاز في العالم الى اوربا ومن الممكن من مراجعة المشروعات التي تناولت تمديد أنابيب الغاز عبر العالم يلاحظ ان أهم مشاريع تلك الأنابيب هي التي من المخطط لمروره في الأراضي السورية والعراقية والخطط التي قسمت الخطوط الكبرى لأنابيب الغاز إلى مشروعات تقع تحت نفوذ روسيا وحلفائها، ومشروعات أخرى تقع تحت تأثير الولايات المتحدة وحلفائها، بينما يتصارع المحوران على تمديد مشروعات جديدة عبر دول المنطقة، وقد كان هذا الصراع محركاً أساسياً لسياسات هذه الأطراف وتعاطيها مع أحداث السنوات الأخيرة.

ومن هنا يتضح أن الموقع الجغرافي للعراق كان رائدا في تأثيره على كل متغيرات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيه. ومن ثم فان كل القوى العالمية التي نشأت في العالم حديثاً كانت لا تتجاوز هذا الموقع وتقف عنده محاولة أن يكون لها مكان في التأثير عليه أو التأثر به... فلقد بات هذا الموقع يشكل مفتاح إستراتيجيات بناء المشاريع السياسية التي تطمح تلك القوى أن تنتجها خدمة لمصالحها فهو الجهة الشرقية التي لابد منها لمشروع ما يسمى بإسرائيل الكبرى سواء أكانت هذه الأهمية بالضم أم بالتأثير، فضلا عن أهميته هنا في التاثير الشعوري والعقائدي للمسلمين والعرب ناهيك عن أنه أفضل موقع تختاره القوات العسكرية التي تبحث لها عن موطأ قدم في ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير وما حدث في تاريخ العراق المعاصر من تواجد للقوات الأجنبية على أراضيه لهو اكبر دليل على مصداقية هذا الكلام. كما أن طاقة العالم المحركة لكل مفاصل الحياة تعتمد أساسا على " النفط" الذي يتوسط العراق فيه المنطقة التي تختزن مخزوناً نفطياً عملاقاً. وهكذا تتجدد على الدوام أهمية الموقع الجغرافي للعراق بشكل يسفر عن حقيقة أن هذا الموقع كان وسيظل مفتاح السيطرة على العالم في قلب منطقة الالتقاء بين القارات الثلاث اسيا وافريقيا واوربا .

كذلك كان لموقع العراق الجغرافي أثر مهم في سير تأريخه وتركيب سكانه التاريخي ، لأنه يقع بين منطقتين ، الملحوظ عليهما التباين بتضاريس سطح الأرض والتشابه من حيث قلـة الكـلأ والمرعى أي شحه أسباب العيش ، ففي أطرافه الشمالية والشرقية مناطق جبلية ومن الغرب والجنوب الغربي مناطق صحراوية مقفلة ، مما جعل العراق محط أنظار أقوام ها وهجـراتهم إليه منذ أبعد عصور ما قبل التاريخ ، فمن المنطقة الأولى نزحت إلى العراق أقـو ام عديـدة من بينها جماعات من أصول الأقوام الهندو – أ وربية ، ومن المنطقة الثانية ( مهد الأقـوام السامية ) نزحت إليه الأقوام السامية المختلفة ومنها القبائل العربية التي يرجع إلى أصولها القسم الأعظم من سكان العراق الآن ، وتنامى الجميع على هذه الأرض الكريمة وعمر وها ، وكشفوا عن فاعليتهم على الصعيدين العربي والإسلامي[lxxii] . كما أن الموقع الجغرافي البحري العراقي الممتد على مياه الخلي ج العربي بساحل يصل طوله إلى حوالي ٣٠ ميلأ بحرياً يبدأ من رأس البيشه إلى أم قصر[lxxiii].  ومهما كانت ظروف هذا الساحل والخليج ، فهو يعد منطلقا أساسيا لتوجه العـراق البحـري ووسيلة مباشرة للاتصال الخارجي وقاعدة لنشاط بحري متنوع .

سبق للصين أن دخلت في شراكة مع إيران. فمن خلال إلقاء نظرة سريعة على خريطة "حزام واحد طريق واحد" تُظهر هذه الخريطة أن إيران تشكل نقطة ارتكاز إقليمية رئيسية في هذه الخطط، علماً بأن طهران وبكين كانتا تتطلعان خلال الأشهر الأخيرة إلى تعميق شراكتهما. لكن الصين بحاجة إلى العراق أيضاً، ولهذا الغرض، عززت بكين وجودها بهدوء في البلاد في السنوات الأخيرة. وقد برزت الصين كأكبر شريك تجاري للعراق، متقدمة حتى على "الاتحاد الأوروبي" والولايات المتحدة. والعراق هو أيضا ثالث أكبر مُورِّد للنفط الخام للصين بعد السعودية وروسيا. وتعمل الشركات الصينية في العراق، بما في ذلك في حقول النفط في الجنوب، وتنخرط في خدمات مثل صيانة محطات الطاقة.

من جانبها، تستمر روسيا في التركيز على مزاياها النسبية في العراق، أي على الأسلحة والطاقة ضمن الرؤية الأوسع لمنافسة القوّة العظمى مع الولايات المتحدة. فموسكو، مَثلها مثل الصين، ليست بالضبط في الصدارة في العراق، لكن مصالحها والتنافس على النفوذ سيستمران في هذه القطاعات. وفي السنوات القليلة الماضية تم التركيز الكثير من الاهتمام على صفقة "روسنفت" الروسية في كردستان، ومن المؤكد أنها مهمة من الناحية الاستراتيجية؛ لكن هذا ليس كل شيء. وتهتم شركات الطاقة الروسية الأخرى مثل "لوكأويل" أيضاً بتوسيع مشاركتها. والأهم من ذلك، أن الصين تنظر إلى روسيا كنموذج عسكري، وليس عكس ذلك، وفي النهاية، تتعاون روسيا والصين أكثر بكثير مما تتنافسان؛ وكلاهما شريكان أيضاً مع إيران. ومن جانبهم، يواصل العراقيون النظر إلى روسيا على أنها دولة تتفهم خطر الإرهاب. كما أنهم يرون أن كلاً من الصين وروسيا أكثر استعداداً للمخاطرة من الغرب عندما يتعلق الأمر بالعمل في بيئات خطرة وغير مستقرة، حتى وإن كانوا يفضلون رؤية المزيد من الانخراط الأمريكي، والغربي على نطاق أوسع.

بالنسبة للولايات المتحدة ففي حين أن واشنطن قد تعتبر الشرق الأوسط على أنه تشتيت الانتباه عن منافسة القوة العظمى، إلّا أن كبار منافسي أمريكا ينظرون إلى المنطقة ككل، والعراق على وجه الخصوص، عبر منظار استراتيجي واسع - فالعراق بالنسبة لهم بمثابة جائزة. ثانياً، إن النفوذ المتزايد لتلك الأطراف الفاعلة في العراق سيتيح لها رسم معالم البلاد - وبالتالي المنطقة بأكملها - وفقاً لقيمها ومصالحها، والتي تتعارض مع قيم الغرب ومصالحه.

لابد ان نشير الى ان دوائر صنع السياسة الروسية، بدأت بوضع استراتيجيات جديدة لتجديد المصالح في العراق انطلاقا من رؤية مفادها “ان العراق يقع ضمن المحاور التي تتركز فيها المصالح القومية الروسية” وهو جزء منهم من مرتكزات الامن القومي الروسي. وهذا ما يصب في مصلحة استمرار رغبة روسيا بتأدية دور اكبر في منطقة الشرق الاوسط. كما ان العودة الى المكانة الدولية  يتطلب من روسيا التدخل المحسوب طبقاً لمصالحها الفعلية التي تستلزم الاداء الفاعل[lxxiv].

الى جانب ذلك ان السياسة الخارجية الروسية تجاه العراق تنطلق من رؤية ترتكز على إيلاء أهمية للقيمة الجغرافية والاستراتيجية للعراق، باعتباره يمثل مكان الصدارة في سلم الاهتمامات العالمية، وأنه لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدًا عن وجود نفوذ له فيه ضمن نطاقه الجيوستراتيجي، حيث تدرك روسيا جيدا ان العراق يؤثر بشكل فاعل في الية صياغة التوازنات الاقليمية ومسار التحالفات بين القوى الدولية . وفي هذا الاطار تدرك روسيا ان التحرك صوب العراق سيحقق اهدافا مرحلية ومستقبلية في عموم المنطقة، حيث سيمكن التقارب مع العراق من الترابط من المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط[lxxv]. ان روسيا تعمل بشكل حثيث على الحد من الدور الامريكي المنفرد في العراق من خلال الدخول في تفاعلات العراق السياسية والامنية من خلال تكوين محور جديد يضم ايران وسوريا ايضا وهذا سوف يؤثر في البنية الاستراتيجية الشرق أوسطية [lxxvi].  

 

9.   الاستنتاجات

من خلال الاستعراض لاستراتيجيات الدول الثلاث وموقع العراق منها يتبين مايلي :

  1. ان الصراع العالمي بين الدول الثلاث الكبرى هو صراع مصالح فقد يتحالفون اليوم ليختلفوا غدا ، لذلك على العراق ان يحافظ على موقف متوازن لتحقيق المصالح القومية العراقية .
  2. ان استراتيجيات الدول الكبرى الثلاث تعتمد على السيطرة على الطرق البحرية والبرية المارة من خلال العراق حيث ان الطريق البري الاستراتيجي موسكو – اللاذقية يصبح عديم الفائدة من دون المرور من خلال العراق وكذلك الطريق البري المعروف بطريق الحرير الجديد لابد له من المرور من خلال الأراضي العراقية . بالنسبة لطريق الحرير البحري ولكي تتحقق الفائدة منه يجب ان يمر عبر الطريق السككي من جنوب العراق .
  3. على العراق الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية الهائلة التي يتمتع بها الشعب العراقي، بجميع اثنياته، وعدم تهميش أو إقصاء اي مكون اجتماعي أو سياسي، كي يستفيد من جيوسياسته من هذا ً المنطلق، ولا يكون باباً من قبل دول للتدخلات الخارجية خصوصا الجوار.
  4.  ان التعامل مع الملفات الدولية والذي يتمثل في معرفة حدود الاختصاصات والقدرة على التعامل مع الاخرين في نطاق الحدود المرسومه لكل موقع وعدم التجاوز على الاختصاصات الذي يؤدي الى تضارب ردود الافعال وبروز مواقف سياسية قد يكون لها تبعات خطيرة على وضع العراق الدولي وخصوصا ان المجتمع الدولي يعتبر الحكومات جسد واحد ولايعترف بتجاوز الموظف الرسمي لحدود اختصاصاته التي يرسمها النظام الداخلي للدولة فبالنسبة للعالم الدولة جسد واحد والتصريح او العمل الذي يصدر عن موظف في الدولة ينسب الى الدولة وليس للفرد . كما ان الامور الفنية يجب ان يتم تغطيتها من قبل ذوي الخبرة والاختصاص مع العمل على انشاء كادر وظيفي متخصص على قدر كبير من الحرفية وعدم الاعتماد فقط على ما هو متوفر داخل العراق انما يجب السعي الحثيث لتطويره عن طريق ارسال بعثات بحيث يتكون في كل وزارة عراقية كادر قانوني كفوء مُطلع على القانون الدولي وآلياته، وتكوين كادر فني ناجح بكل وزارة مُطلع على تكنولوجيا المعلومات وكيفية ادارة الاعلام وتشكيل التغطيات الاعلامية لاي حدث وترويجها دوليا وتطوير العلاقات مع منظمات المجتمع المدني في العالم وعدم الاكتفاء بحضور شكلي في المؤتمرات الدولية بل يجب ان يكون حضورا مسموعا ومؤثرا ليشكل هذا كله جهدا موحدا ومنسقا يصب في خدمة القضية العراقية.
  5. وضع برامج ومشاريع وطنية لتخريج الكوادر السياسية العلمية والاستراتيجية التي لايمكن التاثير عليها لتقليل تأثيرالدول الأخرى على الشؤون الداخلية للعراق . وذلك عن طريق مؤسسات وطنية تدمج بين الاسلوب الاكاديمي واستراتيجيات العالم .


[i] Colin Elman, Realism, In Martin Griffiths, International Relations Theory for The Twenty First Centry( New York: Routledge, 2007), p.18.

[ii]  عبد االله فلاح عودة العضايلة،"التنافس في آسيا الوسطى"،مذكرة ماجستير،قسم العلوم السياسية،كلية الادب و العلوم ،جامعة الشرق الاوسط،2011،ص.4

[iii]  أوتكين، أ. نيالنظام العالمي للقرن الواحد والعشرين، يونس كامل ديب ود. هاشم حمادي(مترجمون) (الطبعة الأولى، دمشق، دار المركز الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع، 2007)، ص177 .

[iv]  روبرت كابلان ، انتقام الجغرافيا: ما الذي تُخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة وعن الحرب ضدّ المصير؟ ترجمة إيهاب عبد الرحيم علي، سلسلة عالم المعرفة، الطبعة الاولى، يناير 2015 ،الكويت، ص 50 .

[v]  عمر كامل حسن، النظام الشرق أوسطي وتأثيره على الأمن المائي العربي "دراسة في الجغرافية السياسية"،رسالة ماجستير ،كلية التربية ،جامعة الانبار،2002م، ص88 .

[vi] Interim National Security Strategic Guidance, P.20, https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2021/03/NSC-1v2.pdf

[vii]  قبيسي، هاديالسياسة الخارجية الأمريكية بين مدرستين: المحافظية الجديدة والواقعية (الطبعة الأولى، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008، نسخة الكترونية pdf).، ص10

[viii]  مادلين أولبرايت، مذكّرة إلى الرئيس المنتخب، عمر الأيوبي (مترجم)، الطبعة الأولى، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2008، نسخة الكترونية PDF، ص 164 .

[ix]  أستراتيجية تعاونية للقوة البحرية في القرن الحادي والعشرين ، مارس/آذار 2015 . اعداد وزارة البحرية للولايات المتحدة الامريكية،ص 7.

[x]  أستراتيجية تعاونية للقوة البحرية في القرن الحادي والعشرين ، مارس/آذار 2015 . اعداد وزارة البحرية للولايات المتحدة الامريكية، ص 9.

[xi]  أستراتيجية تعاونية للقوة البحرية في القرن الحادي والعشرين ، مارس/آذار 2015 . اعداد وزارة البحرية للولايات المتحدة الامريكية، ص 10.

[xii]  علي حسين باكير، تركيا: الدولة والمجتمع "المقومات الجيو سياسية والجيو – استراتيجية، النموذج الاقليمي والارتقاء العالمي"، ضمن كتاب: تركيا بني تحديات الداخل ورهانات الخارج، تحرير: محمد عبد العاطي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010.

[xiii]  ﺻﺎﻣﻮﻳﻞ ﻫﻨﺘﻐﺘﻮﻥ ، ﺻﺪﺍﻡ ﺍلحضارات ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌالمي  – ﺗرجمة ﻣﺎﻟﻚ ﻋﺒﻴﺪ ومحموﺩ محمد،  ﻣﺼﺮﺍﺗﻪ ، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع ، 1999، ص 336 .

[xv]    ﺟﻴﻤﺲ ﺩﻭﺭتي ، النظريات المتضاربة في ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ، ترجمة ﻭﻟﻴﺪ ﻋﺒﺪ الحي ، الكويت ، ﻛﺎﻇﻤﺔ للنشر والترجمة   1985 ، ص 10-11 .

[xvi]  أبو بكر مبروك بشير بوعجيلة، أثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط (2001-2008 ) رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الخرطوم، 2010، ص 81 .

[xvii]  مروان بشارة، أهداف الواليات المتحدة األمريكية و استراتجياتها في العالم العربي، المركز العربي لألبحاث و دراسة السياسات، العدد1 ،مارس 2013، ص 47 .

[xviii]  مارتن غريفيش و تيري أوكالاهان، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، ط2 ، مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة، 2008 ، ص، 36 ،38

 

[xix]  جورج عين ملك، السياسة الأمريكية آلية التدخل والعدوان، الطبعة الأولى، دمشق، مكتب الخدمات الطباعية، 1986، ص91.

[xx]  جلال خشيب، التوجهات الكبرى للإستراتيجية الأمريكية بعد الحرب الباردة، متاح على الرابط: http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=319828&r=0

[xxi]  أ. ني. أوتكين، النظام العالمي للقرن الواحد والعشرين، يونس كامل ديب ود. هاشم حمادي(مترجمون)، الطبعة الأولى، دمشق، دار المركز الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع، 2007، ص295.

[xxii]  جوزيف س. ناي، مفارقة القوة الأمريكية، د. محمد توفيق البجيرمي (مترجم)، الطبعة العربية الأولى، الرياض، العبيكان، 2003، ص55.

[xxiii]  مركز حرمون للدراسات المعاصرة، «سياسة أوباما الخارجيّة رهينة إجماع الحزبين» ترجمة: أنس عيسى.

[xxiv]  مركز بيروت لدراسات الشرق الوسط، “القواعد العسكرية الأميركية في العالم”، على الرابط:

http://www.beirutme.com/?p=559.

 

[xxv]  ساسة بوست، “القواعد الأميركية تتقلص في الخليج لصالح المحيط الهادئ”، على الرابط:

http://www.sasapost.com/reduce-us-forces-in-the-gulf/.

 

[xxvi]  وكالة الأنباء العالمية، “اليابان وغيرها من دول آسيا: نمو موجة الإعتراض علي القواعد الأمريكية”، على الرابط:

http://www.ipsinternational.org/arabic/print.asp?idnews=2744.

 

[xxvii]  بي بي سي عربي، “ما هو أساس الخلاف حول بحر الصين الجنوبي ؟”، بي بي سي عربي، على الرابط:

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/07/160712_south_china_sea_qa

[xxviii]  ليون بانيتا، أميركا وإعادة التوازن الباسيفيكي , الرابط:

https://www.project-syndicate.org/commentary/renewing-the-us-commitment-to-the-asia-pacific-region-by-leon-e–panetta/arabic.

 

 

[xxix]  صلاح نيوف ،مدخل إلى الفكر الإستراتيجي. الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك:كلية العلوم السياسية، ص 50 .

[xxx]  طارق عبد الفتاح الجعبري،"مفاهيم الإستراتيجية و الجيوبوليتكي و دورها في بناء مستقبل قضايا الأمة القضية الفلسطينية نموذجا"،مجلة الدراسات الإستراتيجية و العسكرية. برلين:مركز الديمقراطي العربي، -مج1،ع 2،ديسمبر 2018م، ص59

[xxxi]  روبرت غرين، 33 أستراتيجية للحرب ، ترجمة:سامر أبو هواش (.أبوظبي: دار العبيكان،و دار كلمة للنشر و التوزيع،ط1 ،2009م،ص 25

[xxxii]  علاء أبو عامر، العلاقات الدولية،الظاهرة و العلم الديبلوماسي و الإستراتيجية.غزة:دار الشروق للنشر و التوزيع،ط 1 ، 2004م،ص24.

[xxxiii]  فنسان الغريب، مأزق الإمبراطورية الأمريكية ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008 ،ص180.

[xxxiv]  صموئيل ب . هانتينغتون، " لماذا تهمنا السيادة الدولية ،" مجلة "الأمن الدولي" (ربيع 1993 ) الصفحة 83.

[xxxv]  جهاد عوده ، النظام الأمريكي الاجتماعي والإستراتيجي المأزوم ، المنهل ، 2014 ، ص 22-23 .

 

[xxxvi]  زبغنيو بريجنسكي ، رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها جيواستراتيجياً ، طبعة ثانية مركز الدراسات العسكرية ــ 1999 م

[xxxvii]  هادي قبيسي، السياسة الخارجية الأمريكية بين مدرستين: المحافظية الجديدة والواقعية، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون ،2008 ص72.

[xxxviii]  مكسيم لوفايفر، السياسة الخارجية الأمريكية ، ترجمة حسين حيدر ، بيروت ، عويدات للنشر والطباعة ،2006 ،ص 97-99 .

[xxxix]  عبد القادر محمد فهمي، المدخل إلى دراسة الإستراتيجيا، دار مجدلاوي، الطبعة الأولى، 2006، عمان- الأردن، ص 102.

[xl]  نوار جليل هاشم، أمجد طعمة، ”املوقف الرو سي من الثورات العربية: ليبيا، ومصر، وسورية أنموذجا“، دورية سياسات عربية، المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات، يناير 2015 ،ص 116-117 .

[xli]  نورهان الشيخ، صعود الدور الروس ي في المنطقة : الدوافع والأبعاد، اراء حول الخليج / العدد 103 &option=com_content172&Itemid=08-30-07-28-12-3609:2015http://araa.sa/index.php?view=article&id=

[xlii]  عامر راشد، الاستراتيجيات الروسية في الشرق الأوسط جريدة الزمان الدولية العدد 4199 ، 14/ 5/2012.

[xliii]  عقيدة السياسة الخارجيّة الروسيّة، فلاديمير شوبين، شؤون الأوسط، بيروت، العدد 112، خريف 2003، ص43.

 

[xliv]  مستقبل السلاح النووي في عالم ما بعد الحرب الباردة"، عادل سليمان، السياسة الدولية، القاهرة، العدد851، اكتوبر 2004، ص 232.

 

[xlv]  المستقبل الجيوبوليتيكي لروسيا، عماد الدين حاتم، شؤون الأوسط، بيروت، العدد 112،  خريف 2003، ص 63-62.

 

[xlvi]  د. وسيم خليل قلعجية، روسيا الأوراسية كقوة عظمى جيوبوليتيك الصراع وديبلوماسية النفط والغاز في الشرق الأوسط ، الدار العربية للعلوم ناشرون،بيروت -لبنان ، الطبعة الأولى ، يونيو/حزيران 2019، ص 90 .

[xlvii]  أسماء احمد شوكت وعلى عبد البديع، القيادة السياسية والتغيير في السياسة الخارجية الروسية تجاه دول آسيا الوسطى، المركز الديمقراطي العربي في قسم الدراسات والعلاقات الدولية, http://democraticac.de/?p=34651   

[xlviii]  جمال مجاهد، الرأي العام وقياسه، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، ٢٠٠٨ ،ص١٢٥.

[xlix]  شيماء عاطف الحلواني.  "دبلوماسية  الصين الجديدة". في:                                                                              http://www.ahram.org.eg/ecpss/ahram/2001/1/1 /

 

[l]  فايز فرحات . " الدور المتصاعد للصين في عالم السياسة".

[li]  مبادئ السياسة الخارجية الصينية، مركز دراسات اسيا والصين

، http://www.chinaasia-rc.org/index.php?p=47&id=958 12

 )Yoram Evron , Sino- Israeli Relations : Opportunities and Challenges , Strategic Assessments , August 2007 , Vol. 10 , No. 2, p. 1-7   

[lii]  عزت شحرور، الصين والشرق الاوسط- ملامح مقاربة جديدة، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2012 ، ص 3.

[liii]  عزت شحرور، الصين والشرق االوسط، مصدر سابق، ص 3.

[liv]  خالد الرحموني ، الصين و الصعود الى القمة تأملات في نموذج تنموي فريد ،  الرباط: قسم الاعلام والعلاقات العامة والنشر حزب العدالة والتنمية، د.س.ن ، ص 34 .

[lv]  أوتكين، أ. نيالنظام العالمي للقرن الواحد والعشرين، يونس كامل ديب ود. هاشم حمادي(مترجمون) (الطبعة الأولى، دمشق، دار المركز الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع، 2007). ص283

[lvi] Zi Zhongyun. U.S. – China Relations. Breaking a Vicious Circle (“World Policy Journal”, Fall, 1999, p. 119(

[lvii] فيديا نادكارني، الشراكات الاستراتيجية في آسيا توازنات بلا تحالفات، الطبعة الأولى، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2014، ص37

[lviii]  وليد سليم عبد الحي، المكانة المستقبلية للصين في النظام الدولي 1978-2010  ( أبو ظبي: مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية  2000 )  ص. 49 .

[lix]  عبد الرحمن بن سانية، " قراءة في بعض تجارب الإنطلاق الإقتصادي بالدول النامية " ، مجلة البحوث والدراسات اإلستراتيجية، عدد 11 سنة 2011 , ص 59-92 .

[lx]  صحيفة الشعب (الصينية)، متحدث، التدريبات العسكرية التي أجرتها الصين في أعالي البحار أنشطة روتينية”، على الرابط:

http://arabic.peopledaily.com.cn/n3/2016/1216/c31664-9155573.html

 

[lxi]  الأهرام، “الإستراتيجية العسكرية الصينية فى كتاب أبيض جديد.. دفاع نشط ومواجهة لحرب الجيل الرابع”، على الرابط:

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/404723.aspx

[lxii]  ليون بانيتا، أميركا وإعادة التوازن الباسيفيكي , الرابط:

https://www.project-syndicate.org/commentary/renewing-the-us-commitment-to-the-asia-pacific-region-by-leon-e–panetta/arabic

[lxiii]  فيديا نادكارني، الشراكات الاستراتيجية في آسيا توازنات بلا تحالفات، الطبعة الأولى، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2014، ص356 .

[lxiv]  زبيغنيو بريجنسكي، رؤية استراتيجية: “أمريكا وأزمة السلطة العالمية”، فاضل جتكر (مترجم)، الطبعة العربية (بيروت، دار الكتاب العربي، تموز/ يوليو 2012) ص

[lxv]  جيرار ديسوا، دراسة في العلاقات الدولية، ترجمة قاسم مقداد، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2015، الجزء الثاني: النظريات البيدولاتية، ص95 .

[lxvi]  علي محمد دياب ،.مناهج البحث العلمي وطرائقه في الجغرافية البشرية، منشورات جامعـة دمـشق ، 2009-2010 ، ص 202-206 .

[lxvii]  الموسوعة العربية العالمية. الطبعة الثانية. الجزء رقم 15.، الرياض، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر و التوزيع، 1999، ص 265- 266.

[lxviii]  كارل ماركس، فريدريك انجلز . الايديولوجية الألمانية ، المجلد 2،موسكو ص202 .

[lxix]  طلعت محمد طاهر البوتاني، الامن الغذائي العراقي بمنظور الجغرافية السياسية، أطروحة دكتوراه ،كلية التربية، جامعة الموصل، 0211 ،ص1

[lxx]  عباس فاضل السعدي ، جغرافية العراق اطارها الطبيعي ـــ تشاطها الاقتصادي ـــ جانبها البشري، الدار الجامعية، ط1 ،الجامعة العربية للطباعة والنشر، بغداد، 2009 ،ص7.

[lxxi]  محمد أحمد المومني، استراتيجيات سياسة القوة، دار الكتاب الثقافي للنشر، الاردن، 2006 ، ص47.

[lxxii]  طه باقر ، مقدمة في تأریخ الحضارات القدیمة ، الجزء الاول ، بغداد ، دار الشؤون الثقافیة العامة ،ص 24-25 .

[lxxiii]  عبد الوھاب عبد الستار القصاب ، العراق والمحیط الھندي دراسة في تأثیر الموقع الجغرافي من وجھة النظر البحریة ، بغداد ، الجامعة المستنصریة ، معھد الدراسات الأسیویة والإفریقیة ، 1986 ، ص 23 .

[lxxiv]  بيداء محمود احمد، السياسة الروسية تجاه المنطقة العربية 2000- 2012 عرض كتاب، جريدة الصباح الجديد، على الرابطhttp://www.newsabah.com/wp/newspaper/43528

[lxxv]  التحول الاستراتيجي: لماذا تريد إيران دعوة روسيا إلى العراق ، ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد http://thenewkhalij.org/ar/node/24281

[lxxvi]  نموذج القطب العائد أكبر عملية تحول استراتيجي في التاريخ … الإطلالة الجديدة على الشرق الأوسط وخلفيات الصعود الروسي، صحيفة المراقب العراقي،http://www.almuraqeb-aliraqi.org/archives/20731 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا لايسمح للعراق ان يصبح جزء من طريق الحرير الجديد

التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق-2

انتقام قريش من الأنصار

خرافات المتاسلمين 64 – خرافة (الثقات)

أكاذيب يجب ان يتم كشفها 3 – ابن حنبل ومحنة خلق القران

اكذوبة الشورى

خرافات المتأسلمين 42- خرافة احداث السقيفة

أكاذيب لابد من كشفها 3- اكذوبة زواج عثمان من بنات رسول الله