خرافات المتأسلمين 59 – زواج عمر من ام كلثوم بنت علي

  الدكتور زهير جمعة المالكي

يحاول المتأسلمين دوما ان يرسموا صورة وردية عن الحياة في القرن الأول الهجري وعن العلاقات بين من عاشوا ذلك القرن من عمر الإسلام ومن القصص التي يتمسك بها اتباع التراث قصة زواج عمر ابن الخطاب من ام كلثوم بنت علي ابن ابي طالب في محاولة منهم لخلق صورة كاذبة عن طبيعة العلاقات بين من عاشوا في ذلك العصر للتغطية على الحروب والتقاتل الذي جرى بينهم متناسين ان عمر ابن الخطاب هو أبو زوجة جد ام كلثوم حفصة بنت عمر زوجة الرسول محمد وان عمر اكبر سنا من علي أبو ام كلثوم الذي ولد قبل البعثة ب تسع سنوات وعمر ولد ب 13 سنة بعد عام الفيل . وان الرسول محمد رفض تزويج فاطمة لعمر لانها صغيرة بالنسبة له رغم ان عمرها 18 سنة . ثم متى انجبت ابنة الست سنوات ثلاثة أطفال لعمر ؟ هذا ما سنكشفه.

أساس هذه القصة ثمانية اقوال موزعة بين الشيعة والسنة ما بين نفي واثبات ومبرر فقد ذهب البعض الى القول بعدم وقوع التزويج بين عمر وأُمّ كلثوم. وقد ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد في المسائل السروية ( المسألة العاشرة ) ، وكذا في المسائل العكبرية (المسألة الخامسة عشر ) وقد كذّب خبر التزويج علماء آخرون ، كـ : السيّد مير حامد حسين اللكهنوي الهندي ، في كتابه إفحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيّدتنا أُمّ كلثوم ، والشيخ محمّد جواد البلاغي ، في كتابه تزويج أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين وإنكار وقوعه ، وغيرهم . وذهب اخرون الى اثبات وقوع التزويج لكنّه كان عن إكراه. وهذا رأي السيّد المرتضى في كتابه الشافي ، و تنزيه الأنبياء ، والمجموعة الثالثة من رسائله  وفي بعض روايات وأقوال الكليني  في الكافي  ، والكوفي في الاستغاثة ، والقاضي النعمان في شرح الأخبار والطبرسي في إعلام الورى  ، والمجلسي في مرآة العقول و بحار الأنوار . وحاول بعض الشيعة الامامية تبرير الزواج بالقول ان المتزوَّج منها لم تكن ابنته (عليه السلام) بل ربيبته. وهي : ابنة أسماء بنت عميس زوجة الإمام عليّ بن أبي طالب ، أي أنّها : ابنة أبي بكر ، وأُخت محمّد بن أبي بكر ; وبذلك تكون أُمّ كلثوم ربيبة الإمام عليّ وليست ابنته. هذا الكلام عند الشيخ النقدي في الأنوار العلوية والسيّد شهاب الدين المرعشي في تعليقاته على إحقاق الحقّ والسيّد ناصر حسين الموسوي اللكنوي سمّى كتابه : إفحام الخصوم في نفي تزويج أُمّ كلثوم  . وذهب بعض الشيعة بعيدا في تبرير الزواد بالقول إن عليّاً زوّج عمر جنّية تشبه أُمّ كلثوم. هذا ما رواه القطب الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح  .

وكذلك ظهر من المؤرخين من انكر وجود بنت لعليّ  اسمها أُمّ كلثوم لأنّ أُمّ كلثوم كنية لزينب الصغرى  أو الكبْرى أو لرقيّة وقد ذهب إلى هذا الرأي جمع من السنة والشيعة ; فقد نقل عن الدميري أنّه قال : أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر لمّا تزوّج زينب بنت عليّ ; فإنّه أصدقها أربعين ألف دينار ومعنى كلام الدميري : أنّ زينب هو اسم لأُمّ كلثوم ; وذلك لاشتهار تزويج عمر بأُمّ كلثوم لا بزينب. وروى البيهقي : عن قثم مولى آل العبّاس ، قال : جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية ، وكانت امرأة عليّ ، وبين أُمّ كلثوم بنت عليّ لفاطمة ( السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 7 / 167 )  ومن الشيعة الإمامية : السيّد عبد الرزّاق المقرم ، في بعض كتبه كـ : نوادر الأثر ( المخطوط ) ، ، وعدّة مواضع من كتابه مقتل الحسين. والشيخ المامقاني في تنقيح المقال ; إذ قال : أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين : هذه كنية لزينب الصغرى ، وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء ، وقال ابن حجر في فتح الباري : عن ابن مهران ، أنّه قال : جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت عليّ وامرأة عليّ ليلى بنت مسعود. (فتح الباري 9 / 127 )  . وذهب البعض الاخر الى أنّ أُمّ كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّد ، بل كانت من أُمّ ولـد.وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض أعلام السنة والشيعة كذلك ; ففي تاريخ مواليد الأئمّة ، و نور الأبصار ، و نهاية الإرب :... وكان له زينب الصغرى وأُمّ كلثوم الصغرى من أُمّ ولد. وذهب البعض الى اثبات الزواج ولكن عمر مات ولم يدخل بها. وإلى هذا ذهب بعض أعلام الشيعة وبعض السنة ; فقد قال النوبختي من الشيعة الإمامية في كتابه الإمامة : أُمّ كلثوم كانت صغيرة ، ومات عنها عمر قبل أن يدخل بها وقال أبو الحسن العمري في المجدي في أنساب الطالبيّين : وآخرون من أهلنا يزعمون أنّه لم يدخل بها  وقال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنّية : وأُمّ كلثوم زوجة عمر بن الخطّاب ، مات عنها قبل بلوغها  هذا ( شرح المواهب اللدنّية 7 / 9. ) ، ولم يذكر المسعودي أُمّ كلثوم بنت عليّ في أُمّهات أولاد عمر في كتابه مروج الذهب ، بل عدّ عبد الله وعبيد الله وحفصة وزيداً وعاصماً من أُمّ واحدة( مروج الذهب 2 / 330.)  وقد ذكر الطبري أسماء أولاد عمر ، فقال : وزيد الأصغر وعبيد الله قُتلا يوم صفّين مع معاوية ، وأُمّهما : أُمّ كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة ، وكان الإسلام فرّق بين عمر وأُمّ كلثوم بنت جرول  ( تاريخ الطبري 3 / 269 ، الكامل في التاريخ 2 / 450 ، البداية والنهاية 7 / 156.)

القصة التي يتمسك بها المتأسلمين واثبتها بعض الشيعة هي إنّ عمرتزوّج أُمّ كلثوم ودخل بها وأولدها : زيداً ورقيّة. ترجم ابن سعد لأُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الطبقات الكبرى ، فقال :تزوّجها عمر بن الخطّاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قُتل ، وولدت له : زيد بن عمر . اما النووي فقد ذكر في كتابه تهذيب الأسماء واللغات تأليف أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت ٦٧٦هـ) عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله: شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية
يطلب من: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان ،الجزء الثاني الصفحة 369  " وهاتان الأختان هما أسماء بنت أبى بكر، وأم كلثوم، وهى التى كانت حملاً، وقد تقدم هناك إيضاح القصة، وأم كلثوم هذه تزوجها عمر بن الخطاب، رضى الله عنه." .

هذه كل الروايات في هذا الزواج فلم يتفق الشيعة والسنة على وقوع هذا الزواج بل ان المصادر السنية نفسها لم تتفق على هذا الزواج . فهي تنسب الروايات ان ام كلثوم انجبت لعمر ولد وبنت هما زيد بن عمر بن الخطاب  قال عنه الذهبي في سير اعلام النبلاء "تابعي ولد في سنة 23 من الهجرة في آخر أيام خلافة أبيه عمر بن الخطاب، وأمه هي أم كلثوم بنت علي وجدته من جهة أُمه هي فاطمة الزهراء بنت النبي محمد. توفي شابا حيث مات متأثرا بجراحه بسبب فتنة وقعت بين بني عدي أهل أبيه" ( شمس الدين الذهبي , سير أعلام النبلاء الجزء الثالث , صفحة 500-502 , طبعة مؤسسة الرسالة سنة 1981-1982) . ذكر ابن حبيب ( ت 245 هـ ) في المنمّق الصفحة 309-310 ، عند بيانه ( حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الإسلام ) ، دور زيد بن عمر في حلّ هذا النزاع ، وأنّه قد مات على أثر شجّـة أصابته في ظلمة الليل " . وفي أُسـد الغابة : « وكان زيد قد أُصيب في حرب كانت بين بني عدي ، خرج ليصلح بينهم ، فضربه رجل منهم في الظلمة فشجّـه وصرعه ، فعاش أياماً ثمّ مات " (أُسـد الغابة 5 / 615 ، الإصابة 8 / 465 رقم 12267 ) . وقال الزبير بن بكّار : ضرب في حرب كانت بين عدي ، في خلافة بعض بني أُميّة ، فصرع وحمل فمات . وهنا يتبين تضارب الاخبار حول زيد فبحسب الذهبي انه ولد سنة 23 للهجرة وأول خلفاء بني امية هو معاوية تولى الحكم سنة 41 وحتى سنة 60 للهجرة أي ان زيد المفترض هذا يكون عمره 18 عاما عند تولي معاوية الحكم ولكن المصادر تتحدث عن موت زيد مع ام كلثوم وهو غلام قال الزيلعي في نصب الراية : «أخرج أبو داود والنسائي عن عمّار بن أبي عمّار ، قال : شهدت جنازة أُمّ كلثوم وابنها ، فجُعل الغلام ممّا يلي الإمام ، فأنكرت ذلك ، وفي القـوم ابن عبّـاس وأبو سـعيد وأبو قتادة وأبو هريرة ، فقالوا : هذه السُـنّة . قال النووي (رحمه الله) : وسنده صحيح .وفي روايـة البيهقي : وكان في القوم الحسن والحسين وأبو هريرة وابن عمر ، ونحو من ثمانين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . وفي سُـنن أبي داود ، عن عمّار مولى الحارث بن نوفل : " أنّه شهد جنازة أُمّ كلثوم وابنها ، فجعل الغلام ممّا يلي الإمام ، فأنكرت ذلك ، وفي القوم ابن عبّـاس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة ، فقالوا : هذه السُـنّة " . نرى تضارب المصادر في زيد هل مات رجلا يصلح بين اهله ام مات غلاما ؟ حاول بعض المورخين ترقيع هذا الفتق بالقول ان هناك ابنين لعمر بن الخطّاب  اسم أحدهما : زيد الأكبر ; وهذا ابن أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب  ، الذي مات مع أُمّه في يوم واحد ، حسب ما يقولون  وثانيهما : زيد الأصغر ; وهو ابن أُمّ كلثوم بنت جرول  . في المنمّق : إنّ الذي تدخّل في النزاع هو ابن أُمّ كلثوم بنت عليّ وفي ترجمة أُمّ كلثوم بنت جرول في كتب التراجم ولدت لعمر : « عبيـد الله ، وزيـداً » قبل الإسلام ، فيكون زيد هذا أكبر من ابن أُمّ كلثوم بنت فاطمة (عليها السلام) ; فلماذا يطلق على ابن أُمّ كلثوم بنت جرول : « الأصغر » ، ويقال عن ابن أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب : « الأكبر » ؟!!
يروي ابن شبّة في تاريخ المدينة : « زيد الأصغر وعبـد الله قتلا يوم صفّين ، زمن معاوية ، وأُمّهما أُمّ كلثوم بنت جرول »  (تاريخ المدينة 2 / 654 .) .

أذن هذه الزيجة المزعومة لايوجد مصدر يمكن ترجيحه على الاخر في وقوعها فهناك الشـكّ في أصل وقوع الزواج  الشكّ في ولادة زيد ، التشكيك في أن يكون زيد وأُمّه قد ماتا في يوم واحد ; إذ لا نعرف سبب الموت ، هل كان بسبب هدم الحائط أو الغرق ، أو أنّ بني عدي ضربوا زيداً * الرابع : إنّ قضية الزواج من أوّلها إلى آخرها تضجّ بالإشكالات والتناقضات : في كيفيّة الخطبة ، والتزويج ، والولادة ، ومَن هو المزوِّج ، يقول الطبري ان عمرقد تزوج ام كلثوم سنة 17 هجرية ( تاريخ الطبري 3 / 168 ، ثقات ابن حبّان 2 / 217 .) وجاء في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة أنّ عوناً ومحمّـداً ابنا جعفر قد استشهدا بتستر في إيران سنة 17 للهجرة ( الإصابة 4 / 619 رقم 6122 .) فمتى تزوّجها عون ومحمّـد ، في حين أنّ زوجها الأوّل عمر بقي إلى سنة 23 للهجرة؟! في طبقات ابن سعد الكبير: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ فلم تزل عنده إلى إن قتل وولدت له زيد بن عمر ورقية بنت عمر ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب فتوفي عنها ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب فتوفي عنها فخلف عليها أخوه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب فقالت أم كلثوم أني لأستحيي من أسماء بنت عميس إن ابنيها ماتا عندي واني لأتخوف على هذا الثالث فهلكت عنده ولم تلد لأحد منهم شيئا " ثم ان عبد الله ابن جعفر كان متزوجا من السيدة زينب بنت علي التي توفيت سنة 62 هجرية فكيف يجمع بين اختين ؟

الان فلنحسب كم عمر ام كلثوم بنت علي عندما قتل عمر ؟ ان الروايات عن اسلام عمر تثبت انه اسلم سنة 13 للبعثة يروي البخاري عن ابن عمر " عُرِضتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أربَعَ عَشْرةَ، فلم يُجِزْني، ولم يَرَني بَلَغتُ، ثُمَّ عُرِضتُ عليه يَومَ الخَندَقِ وأنا ابنُ خَمسَ عَشْرةَ فأجازَني." الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 4202 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (2664)، ومسلم (1868) . وحيث ان احد كانت في السنة الثالثة للهجرة اذن يكون عمر عبد الله ابن عمر عندما هاجر هو عشر سنوات أي ان عمر لم يكن اسلم الى تلك المرحلة أي قبل الهجرة بقليل . وعمره اكثر من أربعين سنة . تزوج علي ابن ابي طالب من فاطمة الزهراء سنة 2 للهجرة فقد روى ابن سعد في الطبقات: عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: تزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها مرجعه من بدر، وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثماني عشرة سنة. أول اولادهم كان الحسن ولد سنة 3 للهجرة ثم الحسين ولد سنة 4 للهجرة ثم السيدة زينب ولدت سنة 6 للهجرة وكانت السيدة فاطمة الزهراء سنة 10 للهجرة حاملا بالمحسن أي ان السيدة ام كلثوم تكون قد ولدت سنة 8 او تسعه للهجرة . أي انها عندما خطبها عمر عمرها ست سنوات والرسول رفض تزويج عمر من ابنته فاطمة الزهراء وعمرها 18 سنة .

مما تقدم يتبين ان هذه الاكذوبة هي من الأكاذيب التي اخترعها وعاظ السلاطين من اجل منح عمر هالة من القدسية بربط نسبه بنسب الرسول الذي رفض ان يزوجه ابنته بحسب رواياتهم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا لايسمح للعراق ان يصبح جزء من طريق الحرير الجديد

انتقام قريش من الأنصار

التطور التاريخي لقانون الأحوال الشخصية العراقي

أكاذيب يجب ان يتم كشفها 3 – ابن حنبل ومحنة خلق القران

أكاذيب لابد من كشفها 3- اكذوبة زواج عثمان من بنات رسول الله

التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق-2

ما لم يذكره اسامة انور عكاشة

اكذوبة الشورى

موقع العراق من استراتيجيات الصراع الدولي