اغتيالات باسم الإسلام 9 - من قتل بلال مؤذن الرسول
الدكتور زهير جمعة المالكي
امتازت الفترة
التي تلت مقتل الرسول باختفاء الأشخاص الذين كانوا مقربين من الرسول بطرق وأسباب
تم التعتيم عليها من قبل وعاظ ومؤرخي السلطان فنرى الجان يتكفلون باخفاء سيد
الأنصار سعد ابن عبادة بعد امتناعه عن بيعة ابي بكر كذلك بعد موت ابي بكر بالسم
نرى اختفاء اركان حكومته مثل ابي عبيدة وخالد ابن الوليد ومعاذ وغيرهم ومن الذين
اختفوا دون بيان سبب اختفاءهم بلال ابن رباح مؤذن الرسول وخازنه ولم يذكر المؤرخين
سبب وفاته ولماذا اختفى ؟ قالوا غنه حبشي واخفوا انه من النوبة وقالوا انه امتنع
عن الاذان لانه فضل الجهاد ولم يقولوا لماذا لم يشارك في حروب الردة وبقي سنة يرفض
ان يؤذن لابي بكر حتى ذهب الى بلاد الشام ؟ اليوم نفتح هذا الملف لنرى لماذا تم
التعتيم على دورة المعارض لعمر ابن الخطاب وتهديده لعمر بالسيف حتى قال عمر كما
تروي كتب الحديث (اللهم اكفني بلال وأصحاب بلال ) وفي روايه (اللهم اكفني بلال
وذويه ) ؟
مما حاول
المؤرخون اخفائه موقف بلال ابن رباح من عمر ابن الخطاب حتى في زمن الرسول فلم تكن
العلاقة بين الرجلين ودية بل ان بلال المقرب من الرسول وصف عمر بانه اضل من حمار
اهله . قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق – ابو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله
بن عساكر - ج 10 ص 474. : " [ 2677 ] أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم حدثنا
عبد العزيز بن أحمد لفظا أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر أخبرنا
أبو عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن هشام الكندي
أخبرنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحيم بن بكر الحوطي حدثنا أبو المغيرة حدثنا
الأوزاعي قال إن بلالا أتى عمر بن الخطاب فقال الصلاة فرددها عليه فقال له عمر نحن
أعلم بالوقت منك قال له بلال لأنا أعلم بالوقت منك وأنت أضل من حمار أهلك ". بعد الرسول رفض بلال ان يؤذن لابي بكر قالوا لانه كان يفضل الجهاد
ولكن لم نرى له أيّ مشاركة في قتال المرتدين ؟! ولماذا لم يرد اسمه مع أبي بكر في
حروب الردّة ؟
كان هذا الموقف
السلبي من عمر دافعا للمؤرخين الى إخفاء اخبار بلال بعد الرسول فمن المعلومات التي
اخفوها اصله فقد ركزوا على ان اصله من الحبشة في حين ان هناك إشارات كثيرة الى انه
من مصر من بلاد النوبة قال ابن عساكر : أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد ،
أنبأنا شجاع ابن علي ، أنبأنا أبو عبد الله بن مندة قال : بلال بن رباح مولى أبي
بكر … من مولدي السراة ، من أهل مصر "
. وقال أبو بكر البغدادي "قال عبد الباقي بن قانع في تاريخ الوفيات من جمعه،
بلال بن رباح النوبي مولى أبي بكر – رضي الله عنه – قلت – أي أبو بكر -: وغيره
يقول في نسبته الحبشي "
. وقال ابن ناصر الدين : النوبي إلى النُّوبة : بلاد واسعة للسودان في جنوب الصعيد
، قيل : منها بلال – رضي الله عنه – قلت: نسبه إليها ابن قانع فقال: بلال النوبي قال
ابن حجر عنه : وذكر ابن سعد أنه كان من مولدي السراة، واسم أمه حمامة، وكانت لبعض
بني جمح، وجاء عن أنس عند الطبراني وغيره أنه حبشي وهو المشهور، وقيل نوبي . وقال المرتضي الزبيدي"
النوبة بلاد واسعة للسودان بجنُوِب الَّصِعيد، وتقدم عن الجوهري: النوبة جيل من
السودان، وفي المعجم وقد مدحهم النبي صلي الله عليه وسلم بقوله من لم يكن له اخ
فليتخذ له اخا من النوبة، وقال : (خير سبيكم النوبة)، ومدينة النوبة اسمها دنقلة،
وهي منزل الملك على ساحل النيل وبلدهم اشبه باليمن، منها على ما يقال سيدنا بلال
بن رباح الحبشي القرشي التيمي، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو
عبد الكريم، ويقال أبو عمرو المؤذن، مولى أبي بكر، رضي الله عنهما. وأمه حمامة:
كانت مولاة لبعض بني جمح، قديم الإسلام والهجرة، شهد المشاهد كلها، وكان شديد
الأدمة، نحيفاً، طويلاً ".
اذا انتقلنا الى
موقفه من حكم عمر ابن الخطاب نرى ان بلال اصبح له اتباع في بلاد الشام واصبح يهدد
عمر في المدينة بالسيف وقد برر المؤرخون ان الموضوع كان حول قسمة الأرض فقالوا ان
عمرعارضه جماعة من فقهاء الصحابة ، وقاد تلك المعارضة بلال فقال لعمر "
" لتقسمنّها أو لنضاربنّ عليها بالسيف " فأجابهم عمر بن الخطاب بقوله
" " لولا آخر المسلمين ما فتحتُ قريةً إلا قسمتها كما قسَم النبي صلى
الله عليه وسلم خيبر " فكتب له بلال " إن هذا الفيء الذي أصبنا لك خمسه
، ولنا ما بقي ، ليس لأحد منه شيء كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر "
فكتب عمر " إنه ليس على ما قلتم ، ولكني أقفها للمسلمين " فراجعوه الكتاب وراجعهم ، فلما أبوا قام عمر رضي الله عنه فدعا عليهم
، فقال : " اللهم اكفني بلالاً ، وأصحاب بلال " . فما حال الحَوْلُ
عليهم حتى ماتوا جميعاً . ( ذكر الحادثة البيهقي والقاسم بن سلام وابن زنجوية في
كتاب الأموال
.
يذكر أحمد بن
حنبل تفسيرا موت بلال فهو يقول :(أصاب الناس فتحا بالشام فيهم بلال واظنه ذكر معاذ
بن جبل فكتبوا الى عمر بن الخطاب أن هذا الفئ الذي أصبنا لك خمسه, ولنا مابقي ليس
لاحد فيه شئ كما صنع رسول الله بحنين و فكتب عمر : إنه ليس على ما قلتم و ولكن
أقفها للمسلمين, فراجعوه الكتاب وراجعهم , يأبون ويأبى , فلما أبوا قام عمر فدعا
عليهم فقال : اللهم أكفني بلالا واصحاب بلال , فما حال الحول عليهم حتى ماتوا
جميعا)( فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل, باب فضائل عمر) . ويذكر ابن تيمية نفس التعليل فيقول : وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب
فيها من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة قسمة الأرض فقال اللهم اكفني
بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف) ( منهاج السنة لابن تيمية ج 7 ص 140.
وجاء في سنن أبي داود | كتاب الخراج والإمارة
والفيء باب ما جاء في حكم أرض خيبر (حديث رقم: 3020 ) - عن عمر، قال: لولا آخر
المسلمين ما فتحت قرية، إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيبر" أخرجه أبو داوود إسناده صحيح وأخرجه البخاري (٢٣٣٤) من طريق عبد الرحمن
بن مهدي، بهذا الإسناد. وهو في "مسند أحمد" (٢١٣) و (٢٨٤). وروى البيهقي
في "سننه" ٦/ ٣١٨ من طريق ابن وهب عن مالك في هذه القصة سبب قول عمر هذا
ولفظه: لما فتح عمر الشام، قام إليه بلال، فقال: لتقسمنها أو لنضاربن عليها
بالسيف، فقال عمر فذكره . وذكر ابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد)
ابن قيم الجوزية؛ محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله،
شمس الدين ، المحقق: شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة
سنة النشر: 1418 - 1998 زاد المعاد في هدي خير العباد - ج 3: الجهاد والغزوات
الصفحة 379-380 " إن بلالا وأصحابه لما طلبوا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أن يقسم بينهم الأرض التي افتتحوها عنوة ، وهي الشام وما حولها ، وقالوا له خذ
خمسها واقسمها ، فقال عمر : هذا غير المال ، ولكن أحبسه فيئا يجري عليكم وعلى
المسلمين ، فقال بلال وأصحابه رضي الله عنهم : اقسمها بيننا ، فقال عمر : [ ص: 380
] ( اللهم اكفني بلالا وذويه ) فما حال الحول ومنهم عين تطرف " .
والرواية ذكرها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق منشورات دار الفكر - ج
2 - ما ورد في دمشق والشام الصفحة 197" أنبأنا أبو علي بن نبهان ثم أخبرنا
أبو البركات الأنماطي أنا أحمد بن الحسن أبو طاهر قالا أنا أبو علي بن شاذان أنا
عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي وأخبرنا أبو البركات أنبأ طراد بن محمد
النقيب أنبأ أحمد بن علي بن الحسين أنبأ حامد بن محمد بن عبد الله قالا أنا علي بن
عبد العزيز نا أبو عبيد ثنا سعيد بن سليمان عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة
ثنا الماجشون قال قال بلال لعمر بن الخطاب في القرى التي افتتحوها عنوة اقسمها
بيننا وخذ خمسها فقال عمر لا هذا عين المال ولكني أحبسه فيئا تجري عليهم وعلى المسلمين
فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالا وذويه قال فما حال
الحول ومنهم عين تطرف.
كما أوردها ابن تيمية في منهاج السنة النبوية [ جزء 6 - صفحة 6 ] وكان عمر قد دعا لما عارضوه
في قسمة الأرض فقال اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول وفيهم عين تطرف كما
وردت في المبسوط [ جزء 6
- صفحة 124 ] ما روى أنه استشارهم مرارا ثم جمعهم فقال أما أني تلوت آية من كتاب
الله تعالى واستغنيت بها عنكم ثم تلى قوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل
القرى } ( الحشر : 8 ) إلى قوله تعالى { للفقراء المهاجرين } ( الحشر : 7 ) إلى
قوله تعالى { والذين تبوؤا الدار } ( الحشر : 9 ) هكذا في قراءة عمر - رضي الله
عنه - إلى قوله تعالى { والذين جاؤا من بعدهم } ( الحشر : 10 ) ثم قال أرى لمن
بعدكم في هذا الفيء نصيبا ولو قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم نصيب فمن بها عليهم
وجعل الجزية على رؤوسهم والخراج على أراضيهم ليكون ذلك لهم ولمن يأتي بعدهم من
المسلمين ولم يخالفه في ذلك إلا نفر يسير منهم بلال - رضي الله عنه - ولم يحمدوا
على خلافه حتى دعا عليهم على المنبر فقال اللهم اكفني بلالا وأصحابه فما حال الحول
وفيهم عين تطرف أي ماتوا جميعا . كذلك ذكرها صاحب المغني [ جزء 2
- صفحة 575 ] قال بلال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القرى التي افتتحوها عنوة :
اقسمها بيننا وخذ خمسها فقال عمر لا هذا عين المال ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم
وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه لعمر أقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالا
وذويه قال فما حال الحول ومنهم عين تطرف
اذن الحقيقة
التي حاول مؤرخوا السلطان ووعاظه ان بلال ابن رباح مؤذن الرسول كان موته هو نتيجة
لقيادته لمعارضة مسلحة ضد الحاكم في المدينة التي دفعت عمر الى استخدام السلاح
الذي يمحو مجموعة كاملة يقودهم واحد من خيار الصحابة في حول واحد .
تعليقات
إرسال تعليق