اكبر عملية تلاعب مالي في التاريخ البشري
اكبر عملية تلاعب مالي في
التاريخ البشري
زهير جمعة المالكي
1. المقدمة
مَن لا يفهم التاريخ أو
لا يستطيع فهمه؛ فلن يفهم الحاضر، ومن يُنكر حقائقَ التاريخ؛ فهو بالضرورة مُنكر
لحقائق الواقع؛ حتى وإن لم يُصرِّح بذلك . يقول ابن خلدون “إن التاريخ في ظاهره لا
يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق”، فالشعوب التي لا تقرأ التاريخ تبقى
أبد الدهر تابعة ومُهدّدة، لا تعي من حقيقة الواقع إلا الظاهر، ولا تتمكن من بناء
المستقبل". ولعل ابلغ وصف لأهمية التاريخ جاء على لسان
الرئيس الأمريكي "هاري ترومان " عندما قال " المستقبل هو ما لم
نعرفه من التاريخ " .
نسوق هذه المقدمة لنتناول
اكبر عملية "تلاعب مالي " تعرض لها العالم عبر تاريخ البشرية الطويل .
وهي عملية استبدال الذهب بالدولار الأمريكي والتي اصابت الاقتصاد العالمي في
الصميم وحطمت النماذج التقليدية للأنظمة المالية والتي كان خلفها رجل واحد هو
"هنري كيسنجر " . تلك العملية التي يحلو للبعض ان يسميها اكبر عملية نصب
في التاريخ ولكنها في الحقيقة لم تكن كذلك فالنصب بصورة عامة يعرف بانه " لاستيلاء
علي مال منقول مملوك للغير باستخدام احدي وسائل التدليس المنصوص عليها في القانون
بنية تملكه ".أو
"الاستيلاء على شيء مملوك، بطريقة احتيالية بقصد تملك ذلك الشيء" وهذا
التعريف لا ينطبق على الحالة التي نحن امامها والتي هي عملية تلاعب تجارية فرضتها
عوامل القوة والضعف في الميزان السياسي والتجاري قام من خلالها رجل واحد باستغلال
الظروف العالمية من اجل تغيير القوالب المالية العالمية التي كانت سائدة .
ولنتعرف على القصة وكيف نجح
اللاجيء اليهودي الألماني المولد والحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد في
العلوم السياسية ان يهدم المباديء التي عمل على وضعها اشهر علماء الاقتصاد في القرن
العشرين جون كينز البريطاني وهنري وايت الأمريكي . وكيف استطاع ثعلب السياسة
الامريكية ان يوظف العامل النفسي لدى العرب وفكرة التضامن العربي لاقناعهم في
الاشتراك في "لعبته التاريخية " عن طريق خلق خرافة "رغبة الملك فيصل
في الصلاة في المسجد الأقصى " وقطع النفط عن دول الغرب خلال حرب "تشرين /
اوكتوبر" 1973 . وفي سياق السرد سنحاول الإجابة على الأسئلة التالية : ما
معنى النظام المالي العالمي ؟ معنى قاعدة الذهب ؟ معنى بريتون وودز ؟ ما دور
الصراع بين عائلتي روتشليد وعائلة روكفلر ؟ كيف تمكنت الولايات المتحدة الامريكية
من ان تصبح قائدة العالم اقتصادبا ؟ مامعنى "صدمة نيكسون" ؟ من كان وراء
حرب تشرين /أكتوبر 1973 ؟ مادور السعودية والدول العربية في ظهور مصطلح
"البترودولار " ؟ لماذا صمت العالم على عملية التلاعب ؟ ولنبداء القصة
من البداية .
2. مراحل تطور النظام النقدي العالمي
النظام النقدي العالمي هو
عبارة عن مجموعة الاليات والتطبيقات العملية الخاصة بمختلف الهيئات المالية التي
تمكن من تحويل العملة باعتبارها وسيلة صرف لدولة ما مقابل عملة لدولة اخرى , وعليه
تتم المبادلات التجارية للسلع والخدمات بين الدول . كما انه يعرف بانه مجموعة الطرق التي تحدد كيفية التسديد , التوظيف
, القروض والاستثمارات بين مختلف الدول اعتماد على أسعار الصرف للعملات ويربط هذا
النظام دول الشمال بدول الجنوب السائر في طريق النمو وذلك من خلال عمليات الاقتراض
والاقراض .....ون هذا يعتبر من علامات ظاهرة العولمة ([1]
) كما يعرف بانه مجموعة القواعد و الأهداف و الأدوات و التسهيلات و المنظمات
للتأشير على المدفوعات الدولية. ([2])
. كذلك يعرف النظام النقدي العالمي بانه "هو مجموعة القواعد و الآليات و
التنظيمات التي تتكفل بتصريف أمور العلاقات النقدية بين الدول على نحو يدعم فعالية
التجارة متعدد الأطراف. ([3]) .
2-1.
مرحلة
نظام قاعدة الذهب
ظهرت النقود خلال عمليات
التبادل التجاري الذي تطور من عمليات المقايضة ، أي مواجهة سلعة بسلعة، أو بسلع
أخرى، والتي تحولت في العلاقات بين الدول الى ما يسمى " النقود السلعية
" وهي عملية إعطاء المعادن النفيسة مقابل السلع في العمليات التجارية بين الدول
. اطلق على هذه المرحلة اسم "مرحلة الرأسمالية التجارية" حيث بدات مرحلة
تراكم الكميات الضخمة من المعادن النفيسة وعلي وجه الخصوص الذهب والفضة وأصبحت تلك
الكميات أسٍّاس النظام الذي عرف لاحقا باسم "قاعدة الذهب " في مرحلة الثورة
الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر . في عام 1690, تعرض
الاسطول البحري البريطاني الى هزيمة كبيرة من قبل الاسطول الفرنسي في معركة " بيتشي هيد " وعندما أراد الملك
ويليام الثالث إعادة بناء الاسطول واجهته مشكلة عدم توفر المال اللازم لذلك مما اضطره
الى اللجوء الى أن يعيد بناء الاسطول البريطاني من جديد, لكن لم يكن يملك المال
اللازم لذلك. اضطر الملك المفلس للجوء الى كل من "جون
هویلن " و "وليم باترسون" اللذان عملا على انشاء "بنك اوف إنجلترا
" وتم منح البنك أرصدة الحكومة حصرا
.واصبح البنك هو الجهة الوحيدة ذات المسؤولية المحدودة التي
تسمح بإصدار أوراق نقدية .وتم توفير 1.2
مليون جنيه استرليني في 12 يوما. نصف هذا المبلغ كان يستخدم لإعادة بناء البحرية.
اما في الولايات المتحدة
ولمواجهة مشكلة الدين الوطني قام "ألكسندر هاميلتون
, " وزير المالية بتأسيس "بنك امريكا
الشمالية ". بدأت قاعدة الذهب في الانتشار في
الثلث الأول من القرن التاسع عشر باتخاذ بريطانيا لها
كقاعدة نقدية بقانون صدر في 1819 وأصبح
ساري المفعول في سنة 1821. وبحلول عام 1870 لحقت بها بعض الدول الأخرى مثل ألمانيا ، فرنسا والولايات المتحدة حتى
جاء عام 1900 الذي أضحت
فيه جميع الدول تقريبا تأخذ
بقاعدة الذهب باستثناء الصين والمكسيك اللتان فضلتا قاعدة
الفضة .
في ظل قاعدة الذهب ظهرت
ثلاث أنظمة للتداول هي :
1.
قاعدة
المسكوكات الذهبية
وعرف كنظام للتداول الذهب كمسكوكات ذهبية بين الأفراد وتحتوي كل وحدة نقدية على
وزن محدد من الذهب يكون مساوياً لقيمتها الاسمية . ([4]).
2.
قاعدة
السبائك الذهبية في ظل هذا النظام تظل
النقود مرتبطة بالذهب ويجوز تحويل أوراق البنكنوت إلى سبائك ذهبية بقدر معين ولكن
لا يتم تداول المسكوكات في السوق ولكن السلطات النقدية تقوم بشراء ما يعرض عليها
من الذهب بسعر ثابت حتى لا ترتفع قيمة الذهب وتصدر بالمقابل أوراق نقدية بقيمة هذا
الذهب [5].
3.
نظام الصرف بذهب الذهب
حيث أنه بموجب هذا النظام لا تتحدد قيمة الوحدة النقدية لبلد معين على أساس الذهب
مباشرة بل ترتبط بنسبة ثانية مع عملة بلد أخر يتخذ نظام السبائك الذهبية قاعدة
نقدية له بحيث تكون هناك دولة تابع ودولة متبوعة ويتحدد غطاء العملة بصورة
عملات أجنبية قابلة للتحويل إلى ذهب أو سندات صادرة عن الدولة الأخرى.
وفي ظل قاعدة الذهب قامت
كل دولة بتحديد عملتها بمقدار من الذهب أي معادلة قيمة العملة مع قيمة وزن معين من
الذهب الخالص بحيث يمكن مبادلة هذه العملة بالذهب أو العكس بسعر رسمي ثابت . بتاريخ
كانون الاول 1913 تم تأسيس نظام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وهي المؤسسة التي
تحكم وتدير السياسية الاقتصادية في امريكا.في
تلك المرحلة، كانت بريطانيا أحد اهم مراكز القوة في العالم لتميزها العسكري،
التقني، العلمي، والتجاري على حد سواء. لذلك كان الجنية االسترليني اهم عملة
عالمية. نتيجة للخسائر المادية الهائلة التي تعرضت لها إنجلترا في الحرب العالمية الأولى
اضطرت إلى الخروج عن قاعدة الذهب في 21
سبتمبر 1931 . وفي 1933 خرجت الولايات
المتحدة .نتيجة لما عرف لاحقا باسم "الكساد الكبير " . عندما استيقظ الأمريكيون في صباح يوم الخميس
24 تشرين الأول /أكتوبر من عام 1929 . يوم الاثنين 28 تشرين الأول /أكتوبر، استمر
السوق في الانهيار بالرغم من كل ما جري والمحاولات اليائسة عديمة الجدوى لإنقاذ
الوضع ، حتى أنه عطلت خطوط التلغراف والهاتف بين نيويورك وبقية المدن للحد من انتشار
الأسعار .هنا ولأول مرة ظهرت جلية آثار الاقتراض السهل وسياسة اشتري الآن وادفع
لاحقا ، ومن ثم تحول ميكانيكية الحركة إلى الاتجاه المضاد، الانهيار الكامل،
وتعاظم الخسائر.وأخذ السوق في التهاوي بلا توقف وبصورة مفزعة أكبر انهيار يصيب سوق
الأسهم منذ نشأتها، وقع الجميع بحالة صدمة من هول الكارثة التي حلت عليهم ، وتلا
ذلك إفلاس الآلاف من البنوك والشركات، وفقد الملايين وظائفهم، وانتشر الفقر بين
الناس، واستمر ذلك حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية .
في عام 1939،قام دايفيد
روكفلر مع اخوانه الأربعة " نيلسون وجون ولورنس و وينتروب" وصندوق عائلة روكفلر بتمويل دراسات الحرب
والسلام لصالح مجلس نيويورك للعلاقات الدولية حيث إجتمع عدد من الأكاديميين
الأميركيين قبل إندلاع الحرب العالمية الثانية للتخطيط من أجل إمبراطورية عالمية
ما بعد الحرب أو القرن الأميركي بحسب ما سماه لاحقاً هنري لوس، ولوضع مخططاً
للإستيلاء على كامل الإمبراطورية البريطانية المفلسة ،قاموا بتسميتها "مشروع
نشر الديمقراطية، والحرية والنمط الأمريكي للتجارة الحرة".
شمل مشروعهم الخارطة الجيوسياسية للعالم بكامله وتضمن التخطيط
حول كيفية إحتلال الولايات المتحدة مكانة الإمبراطورية البريطانية وتحولها إلى
الإمبراطورية المهيمنة كأمر واقع. كان تأسيس الأمم المتحدة جزءاً مفتاحياً في هذا
المخطط. ولذلك تبرع الأخوة روكفلر بقطعة أرض في مانهاتن لبناء مقر الأمم المتحدة .
مع اندلاع الحرب
العالمية الثانية عام 1939 ، والتي لم تدخلها الولايات المتحدة الامريكية حتى عام
1942 . انتعشت الصناعات الامريكية والتي كانت تزود الماكنة العسكرية للحلفاء بمختلف
السلع والبضائع العسكرية والمدنية . ولكن بعد هجوم بيرل هاربور الياباني على الجزر
الامريكية وتعرض القوافل البحرية الامريكية التي كانت تنقل البضائع الى الاوربا
لهجمات الغواصات الألمانية أعلنت الولايات المتحدة دخول الحرب الى جانب الحلفاء .
2-2.
مفاوضات كينز – وايت
في غمار الحرب غلم 1942
تم عقد لقاءات سرية بين فريق اقتصادي امريكي بقيادة " هنري وايت " وفريق
اقتصادي بريطاني بقيادة عالم الاقتصاد اللورد" جون ماينارد كينز " ، بهدف
التوصل إلى مجموعة خطط ينبغي على النظام النقدي العالمي الجديد أن يرتكز عليها حيث
كان الهدف من هذه المباحثات، ايجاد نظام نقدي دولي لا يجبر الدول المدينة على اتباع
سياسات نقدية انكماشية لحل مشاكلها، خصوصا عند عجز ميزان المدفوعات. و تآمين القروض للدول التي تعاني من
عجز في ميزان المدفوعات. بالإضافة الى مراقبة
السياسات النقدية للدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية .
كان اللورد " كينز
" قد سبق له الاشتراك في مفاوضات السلام في مؤتمر فرساي عام 1919، كممثل
عن وزارة الخزانة، واعترض على الطريقة التي تعاملت بها قيادات الحلفاء مع ألمانيا
المهزومة، وتنباء بحدوث الحرب ثانية، وعاد إلى إنجلترا ليؤلف كتابه “العواقب
الاقتصادية للسلام” . بعد ذلك كنب كتابه الأشهر: “النظرية العامة في التوظف والفائدة
والنقود” عام 1936م، والذي نادى فيه بأن التعافي من الكساد العظيم يبدأ عندما يفقد
المسنون في وزارة المالية البريطانية والحكومة الأمريكية وظائفهم لأنهم تشربوا
بأفكار الاقتصاد الكلاسيكي العتيقة البالية.
دعا "كينز"
وفريقه الى إنشاء بنك دولي يقوم بطرح عملة دولية اسماها
" بانكور" بحيث تقوم دول العالم بربط
عملتها المحلية بها، وتكون ادارة البنك مستقلة عن اي دوله. الدول التي لديها فائض
تجاري، يتوجب عليها زيادة واردتها والدول ذات العجز التجاري يتوجب عليها زيادة
صادرتها. يتم المقاصة بين الدول إذا لم يتحقق ذلك تلقائيا، بهدف الوصول لتوازن
تجاري بين كل الدول. في حال ان كان هنالك حاجه لزيادة معروض النقد من خلال طباعة
بانكورات جديدة. اما هنري وايت فقد طرح فكرة استخدام الدولار الأمريكي كعملة
احتياطية مربوطة بالذهب، بحيث يلتزم الفدرالي الامريكي بتحويل الدولارات الى ذهب في
اي وقت.
2-3.
مؤتمر بريتون وودز
في الرابع عشر من يوليو
من العام 1944 ، دعت الولايات المتحدة الأمريكية الى مؤتمر في ، في مدينة بريتون
وودز، الواقعة في ولاية نيوهامبشر. من اجل وضع أسس نظام اقتصادي جديد لما بعد الحرب
يضفي الاستقرار على الاقتصاد العالمي،ويحول دون تكرار الأخطاء، التي تخللت عقود
الزمن بين الحربين العالميتين. وقد أستمر ذلك المؤتمر 22 يوما .
من
المضحك ان "هنري وايت" الذي قاد المفاوضات الصعبة لمدة سنتين مع الثعلب
الاقتصادي البريطاني " كينز " أُبعد عن المشاركة الرسمية في الوفد الأمريكي
في البداية ، ولم يمنح الا منصب مستشار في اللجنة الفنية للوفد الأمريكي . ولكن قوة
النقاشات التي قادها "كينز " أجبرت الوفد الحكومي الأمريكي على التخلي
لهنري وايت عن مقعد القيادة ليقنع الوفود بما فيهم الوفد البريطاني بالتصديق على
المعاهدة . فقد لجاء الى تكتيك رهيب في المفاوضات حيث كان يتهرب من المناقشات
العلمية لكينز بادعاء المرض وتجنب ذكر الدولار مطلقا، كذلك عمد الى تقديم وعد للاتحاد
السوفيتي بتقديم قرض بمبلغ خنسة عشر مليون دولار اذا وافق على المشاركة في المؤتمر
للضغط على الدول الاوربية واستغلال خوفها من المد الشيوعي انذك . كما ركز وايت في
النقاشات وفي كتابة الوثائق على عبارة "عملة قابلة للتحويل للذهب". وحول
التركيز الى النقاط المتفق فيها مع كينز. كتجنب إعادة ربط العملات بالذهب وربطها
بدلا من ذلك بعملة جديدة يتحكم بها بنك مركزي دولي جديد، وقام بوضع هيكل لصندوق النقد
الدولي، واستعمل آليات كينز في ربط الدول عملاتها بالعملة الجديدة ولكنه لم يحددها
«بالبنكور» العملة الجديدة، التي يريدها كينز أن تكون مرجعا للعملات الأخرى. وكنوع
من الإيحاء كرر وايت مقولة أن أمريكا تتمتع بأعظم احتياطي ذهبي للدولار وتستطيع
دعم العملة الجديدة التي يقترحها كينز، دون أي إشارة للدولار بأنه المقصود ليكون
هو عملة الاحتياط الجديدة. وأثناء ذلك، حرص وايت على
إشغال وقت اللجان الفنية بأحاديث ونقاشات وخلافات هامشية لإضاعة الوقت. حتى جاءت
اللحظة المناسبة. ففي أحد الاجتماعات الفنية قام مفوض الوفد الهندي فاعترض على عبارة
"عملة قابلة للتحويل للذهب" فلجاء وايت الى الأسلوب الذي يتقنه وذلك
بالايحاء الساخر للمجموعة المتفاوضة بأن المفاوض الهندي لا يفهم، ثم وبسرعة فتح
المجال لأحاديث عامة أو غيرها لإضاعة الوقت ثم لعب على وتر الغرور الإنكليزي فوجه
الحديث الفصل لرئيس اللجنة المفوض البريطاني، الذي قال بتأثير إيحاءت وايت عن ذهب
أمريكا، فقال "إنها مسألة مُحاسبية، كالدولار مثلا، ويكفي أن تحول المسألة
إلى اللجنة المحاسبية" ، وهنا نطق المفوض البريطاني عن غير قصد بالكلمة
السحرية " الدولار" وهذا ما كان يريده وايت ويخطط له. فقامت اللجنة
المحاسبية بأخذ كلام رئيس اللجنة المفوض البريطاني على أنه توجيه رسمي، بلا أي
معارضة من الأعضاء، فقاموا بتغير كل الوثائق الرئيسة وأُبدلت عبارة "عملة
قابلة للتحويل للذهب" بكلمة الدولار.ونجاح
خطة التصديق على المعاهدة كانت تعتمد على أن أعضاء اللجان لا يقرأون، وأنهم أكثرهم
تابع لا مستقل، وأن الجميع يتبع كينز، وكينز لم تُعرض عليه المعاهدة إلا في الجلسة
الأخيرة، فاضطر أن يصادق عليها ويباركها دون قراءتها، اعتقاد منه بأن أساسها
الجوهري لا يختلف عن مقترحه. وما درى هو ولا أحد من الوفود حتى الوفد الأمريكي ، ما
عدا وايت، أن تلك الجلسة قد توجت الدولار على عرش العملات .
من
ناحية أخرى فقد تعرض كينز للاذلال عندما عرض خطته لنظام اقتصادي جديد. فبصفته مندوب
دولة تعاني من معضلات كبيرة في تسديد ما بذمتها من ديون خارجية، كان كينز قد اقترح
إنشاء ” اتحاد المقاصة الدولية ” ،
تكون مهمته تمكين الدولة المدينة من الحصول على ما تحتاج إليه من سيولة أجنبية. ولكن
"وايت " باساليبه في الاقناع استطاع الحصول على الموافقة على يكون الدولار
الذي كان يساوي 35 دولارا للأوقية الواحدة من الذهب في حينه هي العملة الأساسية وكذلك
تأسيس منظمات دولية مهمتها مراقبة عمل النظام النقدي الجديد، وفي العمل على
استقرار هذا النظام، وذلك من خلال منح القروض للبلدان، التي تعاني من مشاكل في
ميزان المدفوعات.وقد قرر المجتمعون
في بريتون وودز إنشاء مؤسستين تحكمان العلاقات الاقتصادية الدولية، هما تأسيس بنك دولي
للإنشاء والتعمير من شأنه أن يعمل على استعادة النشاط الاقتصادي، وصندوق نقد دولي
من شأنه أن يساعد في استعادة قابلية تحويل العملات والنشاط التجاري متعدد الأطراف .
وكان الاتحاد السوفيتي حاضراً في المؤتمر, الأ انه ادرك نوايا امريكا المستقبلية,
فلم يوقع على الاتفاقية.
3.عالم مابعد بريتون وودز
كان
اول المعترضين على اتفاقية "بريتون وودز " هو الكونغرس الأمريكي الذي حيث
اعتبر أعضاء الكونغرس ان تلك الاتفاقية كانت خدعة قام بها الثعلب البريطاني العجوز
" كينز" مستغلا "سذاجة وعدم خبرة "وايت " للاستيلاء على
الذهب الأمريكي ووجهوا لوايت انتقادات كبيرة قبل ان يدركوا ان "وايت "
بذكائه الذي لم يقدروه حق قدره استطاع ان يجعل النظام النقدي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية على
أسس و مبادئ معينة صاغها مؤتمر الولايات المتحدة الأمريكية .
انتهى مؤتمر بيرتون وودز إلى
إنشاء صندوق النقد الدولي لغرض تحقيق الأهداف التالية : ([6])
- دعم و تنشيط التعاون النقدي الدولي
- تشجيع النمو المتوازن في التجارة الدولية و إزالة
الحواجز بأمل تأمين العمالة الكاملة في الداخل و تأمين و ثبات سعر الصرف
- تجنب حروب تخفيض العملات التي تهدف إلى تنشيط الصادرات و
دعم المنافسة على المستوى الدولي
- حرية تحويل العملات بين الدول و إقامة نظام متعدد
الأطراف للتسويات الدولية
- تقديم المساعدات لتصحيح الخلل المؤقت في موازين المنوعات
كما
استقر هذا المؤتمر بإنشاء البنك الدولي للإنشاء و التعمير و قد انحصر اهتمامه في
منح قروض ميسرة و طويلة الآجل إلى الأقطار النامية لتمويل عملية التنمية الاقتصادية
و الاجتماعية و لو جزئيا ([7]) .
خلال الفترة مابين 1945-1958
، سعت الدول الى جمع الدولارات من أجل شراء السلع
الأمريكية التي تحتاجها وكانت الولايات المتحدة ملتزمة
بتحويل الدولار الى ذهب بمقابل أجر لذلك . حيث كانت
تحتفظ بثلاثة أرباع مخزون الذهب العالمي .
كما شهدت الفترة
الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية حقبة الخمسينات ندرة في الدولار بالنسبة للدول المتحاربة ، كذلك نمت
صادرات أمريكا للعالم بشكل كبير فقد حققت فائضا في
ميزانها التجاري قدر بـ 10 مليارات $ عام 1947 ولم يكن بوسع الدول
الأوروبية تصدير أي سلعة لأمريكا لأن جهازها الإنتاجي
كان معطلاً بشكل كلي تقريبا نتيجة الحرب .أمام هذا الوضع لم يكن لدى أمريكا
سوى اقتراح خطة
مارشال والتي عرفت باسم (برنامج الإنعاش الأوروبي) وقد قدمت أمريكا للدول الأوروبية بموجب هذا البرنامج حوالي 13
مليار $ مابين
(1948-1952) . كما ان الدول التي حصلت على استقلالها بعد الحرب لم تعاني من مشكلات
عويصة في موازين مدفوعاتها، ولم تضطر إلى تخفيض عملتها أو التورط في استدانة خارجية
كبيرة وذلك بسبب مرحلة الإنشاء والتعمير التي انشغلت فيها أوروبا بعد الحرب . بعد
ثلاث سنوات في عام 1947 تم اعتماد الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة
المعروفة بـ "جات" بعد إجراء مفاوضات لتحرير التجارة.
مع
بداية عام 1958 بدات تظهر علامات انخفاض الطلب على منتجات الدول النامية وبالتالي
فإن السنوات السعيدة لعالم ما بعد الحرب كانت قد انتهت و زادت في المقابل الثورة التكنولوجية
التي أدت إلى الاستغناء عن كثير من المواد الأولية بمواد مصنوعة، وأصبحت الكثير من
الدول الأوروبية تنتج المواد الغذائية، فعملت على وضع القيود الجمركية ضد هذه
المواد، الأمر الذي أدى إلى ضعف السيولة، ونتيجة لذلك تطور العجز في موازين مدفوعاتها
وأصبح يشكل مشكلة خطيرة . وفي هذا الخضم قامت
الدول الأوروبية بتخفيض قيمة عملاتها حيث قامت بريطانيا والسويد وهولندا بتخفيض أسعار صرف عملتها بنسبة
30%، ألمانيا 20%، بلجيكا 12% فيما خفضت فرنسا عملتها مرتين الأولى 5% والثانية
15% عام 1958. وذلك بغية تشجيع صادراتها وقد لوحظ زيادة
في صادراتها بحوالي 60% مما أدى إلى تحسين موازين مدفوعات الدول الأوروبية وزيادة احتياطاتها النقدية
وبموازاة ذلك ظهر نمو العجز في
ميزان مدفوعات أميركا تدريجيا ووضع هذا الأمر حدا أمام ندرة
الدولار وأصبح العالم يعرف وفرة الدولار .
أدى توفر الدولار لدى دول الفائض مع الولايات
المتحدة إلى فقدان الثقة في احتياطاتها الدولارية ومن ثم
عمدت إلى تحويل هذا الفائض إلى ذهب مما أدى إلى هبوط مخزون الرصيد الذهبي الموجود في حوزة الولايات
المتحدة من 18 مليار دولار إلى 11 مليار دولار خلال الفترة مابين 1960 – 1970
وأصبحت مستحقات الدول اتجاه أمريكا تفوق ما لديها من
رصيد ذهبي ، وسعيا لمواجهة هذه التداعيات في النظام النقدي الدولي ، فقد اتخذ
العديد من الإجراءات الفردية والجماعية كان أبرزها الاتفاق على إنشاء (حوض الذهب )
عام 1961 ، وقد اشتمل على البنوك المركزية للولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا
وهولندا وسويسرا وايطاليا ، وقد كان القصد الأساسي منه تثبيت أسعار الذهب .
مع بداية عام 1965 بدات مرحلة التناقضات
والصراعات بين المراكز الرأسمالية العالمية فقد بدأت فرنسا تطالب وزارة الخزانة
الأمريكية بصرف الدولارات الورقية التي كان بحوزتها ذهباً.
وأعقبها موجة عارمة لسحب الذهب من الولايات المتحدة
الأمريكية من مختلف دول العالم مما أدى إلى انهيار الثقة بالدولار.في عام 1969 بدأت تعصف بالاقتصاد الامريكي أزمات عدة
أهمها الركود، هبوط في سعر الفائدة، هروب رؤوس الأموال، عجز تجاري وتخوف دولي من
بيع الدولار الامريكي. انخفضت قيمة الدولار مقابل الذهب ووصل الحال لعجز احتياطي
الذهب الامريكي عن تغطية الدولار وفي 9 مايو
1971 رفعت كل من سويسرا (الفرنك) والنمسا (الشلن) من قيمة عملتهما بنسبة 7.1 %
و5.1 % على التوالي بينما قررت ألمانيا
وهولندا تعويم عملتهما في ذلك الوقت ، ثم حدثت العديد من الأحداث والأزمات كان أبرزها
الانتكاسة التي شهدها الإسترليني عامي 1965 و 1966 .
4. صدمة نيكسون
بعد أن أكتشف العالم أن أمريكا ليس لديها من الذهب ما يُغطي ما تم
طباعته من الدولارات, وبتشجيع ومساندة من ارباب البنوك التجارية في “مدينة لندن”
ومنهم السير سيغموند واربرغ، إدموند دو روتشايلد، جوسلين هامبرو وغيرهم من الذين
رأوْا فرصة اعادة المركز العالمي المالي الى لندن ، قام الرئيس الأمريكي "ريتشارد
نيكسون" في 15/6/1971 بإعلان حزمة من الإجراءات لإصلاح الأوضاع إصابت الاقتصاد
العالمي بالذهول وذلك بإقرار مجموعة من قرارات تحت عنوان السياسات الاقتصادية الجديدة والتي تضمنت ، وقف تحويل الدولار
إلى ذهب ، خفض الإنفاق العمومي والمساعدات
الاقتصادية الخارجية بنسبة 10% ، وفرض ضريبة على السلع
التي تدخل إلى أمريكا سعيا
إلى رفع تنافسية السلع الأمريكية. وقد ذكر نيكسون فى خطابه بعبارات
واضحة و حاسمة إلغاء ذلك نظام الذهب دولار بقوله “يجب أن نحمى نظامنا من هجمات
المضاربين الدوليين” ثم أكمل ليقول أنه قد كلف وزير الخزانة بوقف نظام غطاء الذهب
بالدولار أو أى أصول أخرى و كلفته بنشاء نظام مالى جديد. أي أن الدولار سيُعوَّمُ
أي ينزل في السوق تحت المضاربة وسعر صرفه يحدده العرض والطلب ولم تتمكن أي دولة من
الاعتراض أو إعلان رفض هذا النظام النقدي الجديد لأن هذا الإعتراض سيعني حينها أن
كل ما خزنته هذه الدول من مليارات دولارات في بنوكها سيصبح ورقا بلا قيمة وهي
نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه نيكسون.
قال نيكسون في حينها ” يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها ويجب أن
يلعبوها كما وضعناها ” .
وبعد هذه القرارات الأمريكية
، شهدت الأسواق العالمية اضطرابات كبيرة
في العلاقات السياسية والاقتصادية بين مختلف الدول إلى
أن عقد اجتماع في جزر الأزور في 13-14ديسمبر1971 بين الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو والرئيس الأمريكي ريتشارد
نيكسون وتم فيه الاتفاق على تخفيض قيمة الدولار وذلك
برفع قيمة الذهب مع زيادة قيمة بعض العملات الأوروبية مع
التزام الدول الأوروبية على عدم ممارسة
أي ضغط لتحويل الدولار إلى الذهب. كما تم الاتفاق على عفد اجتماع خاص بوزراء
مالية مجموعة الدول العشر الكبرى ومحافظي البنوك
المركزية في مبنى سميثونيان في واشنطن للمدة من 17-18 كانون
الاول / ديسمبر 1971 وتم التوصل إلى اتفاق سمي
فيما بعد باسم (اتفاق سميثونيان) تضمن مجموعة من القرارات
أهمها : موافقة أمريكا على خفض
قيمة الدولار بنسبة 7.9% وهو أول تخفيض للدولار منذ عام 1934 (من 1 أوقية ذهب = 35
دولار لتصبح 1 أوقية ذهب = 38 دولار) وفي المقابل فقد قامت كل من اليابان ودول
أوروبا برفع قيمة عملتها مقارنة
بمعدلاتها في 1971 فقد رفع الين بنسبة 16.9%، والجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي
بنسبة 8.57%،
والليرة الايطالية 7.48%، والفرنك السويسري 13.9%والفرنك البلجيكي والجيلدر الهولندي 11.6% وذلك عندما قررت
تقويم عملاتها بالدولار الكندي .كما وافقت
الولايات المتحدة على إلغاء الضريبة
المفروضة على السلع المستوردة ثم تم التوصل إلى اتفاق مؤقت للسماح بتقلبات أسعار الصرف بنسبة 2.25%
صعودا وهبوطا بالنسبة لأسعار التعادل الجديدة
التي تم التوصل إليها بموجب الاتفاقية الجديدة .
في عام 1972 وقعت ضغوط
شديدة على الجنيه الإسترليني الأمر
الذي أدى بالحكومة البريطانية للعودة إلى تعويم الجنيه مرة أخرى في حين قامت كل من هولندا وسويسرا واليابان إلى
اتخاذ إجراءات تهدف إلى وقف تدفق الدولار الأميركي إلى
أسواقها . كما أن نتائج الميزان التجاري لسنة 1972
جاءت مخيبة للآمال فقد استمر العجز في الميزان
التجاري الأمريكي حتى وصل إلى 6.8 مليار دولار مقابل 2.7 مليار دولار للعام الماضي . وفي يناير 1973 حدث تدفق
شديد من الدولارات الى سويسرا مما دفعها إلى
التوقف عن تدعيم الدولار وأعلنت في 23 يناير1973 تعويم
الفرنك السويسري . و في 12 فبراير 1973 أعلن
عن إقفال الأسواق النقدية في مختلف الدول الأوروبية كما أعلنت اليابان تعويم الين و أعلنت الولايات
المتحدة تخفيضا ثانيا في قيمة الدولار بنسبة 10% وكان هذا الإجراء طبيعيا تنصّ
عليه الاتفاقيات الأخيرة . بعد صدمة نيكسون بدأت دول العالم تبتعد عن شراء الدولار
الأمريكي لذلك كان لابد من اجبارها على العودة لشراء الدولار الورقي ، وهنا يظهر ثعلب
السياسة الخارجية الامريكية ليلعب لعبته التي جعلت العالم يعود الى الدولار . في
كانون الثاني (يناير) 1973 تم تعيين جورج شولتز مساعدا للرئيس نيكسون للشؤون
الاقتصادية بالاضافة لمنصبه كوزير للخزانة، ، وشهد الشهر التالي تشكيل لجنة البيت
الابيض الخاصة بشؤون الطاقة والتي ضمت "هنري كيسنجر" و"جورج شولتز" وكبير
مستشاري الرئيس نيكسون للشؤون الداخلية، "جون أرليتشمان"
تشير اشرطة مسجلة نشرها
البيت الابيض مؤخرا الى ان الرئيس الاميركي السابق ريتشارد نيكسون امر مصلحة
المحاصيل الداخلية بالتحرّي عن «المتبرعين اليهود الكبار» للحزب الديموقراطي.
وقال نيكسون لقائد الاركان هولدمان في اجتماع مغلق في
الثالث عشر من ايلول 1971: "ارجوك ان تعطيني اسماء اليهود". وتابع حسب
الشريط قائلا: اريد اسماء المتبرعين اليهود الكبار للديموقراطيين فهلا تحريت عن
بعض هذا الحشو؟ فاقترح هولدمان ما يلي: "ينبغي ان نبحث عن متعصبين وطنيين يكرهون
هؤلاء الناس" وأجابه نيكسون بلهجة متشددة "هيا تعقّب هؤلاء السفلة"
وقد ظهرت اشارات نيكسون القاسية الى اليهود في حديث اجراه مع المسؤول عن السياسة
المحلية في عهده "جون ارليتشمان " في مكاتب الرئيس في مبنى السلطة
التنفيذية في الشهر نفسه اذ قال"ان السلطة بين يدينا يا جون. ألن نستعملها
للتحرّي عن المتبرعين لـ(هابرت هامفري) والمتبرعين لـ(ماسكي)؟ ألن نتحرّى عن
اليهود الذين يتسللون الى كل الجهات؟ " . عند هذه النقطة كان يجب على نيكسون
ان يرحل فظهرت فضيحة (ووترغيت) .
5. ظهور كسينجر
هنري ألفريد كيسنجر
دبلوماسي أمريكي ولد في 27 أيار / مايو عام 1923 في مدينة فورث الألمانية لأسرة
يهودية هاجرت في عام 1938 إلى الولايات المتحدة.
جصل في العام 1943 على الجنسية الأمريكية ويعتبر أحد ألمع
السياسيين الأمريكيين، ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارتي كل من
الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، عدا عن كونه مستشاراً في السياسة الخارجية
في إدارتي كل من الرئيسين كينيدي وجونسون . تخرج من جامعة هارفرد ، واصبح أستاذا في
العلاقات الدولية في نفس الجامعة التي تخرج منها .
برز نجم هنري كيسنجر في عام 1955 ، بمساعدة نيلسون روكفلر حيث اصبح
نجم كيسنجر عاليًا في الأفق قبل أن يُصبح مستشارًا للحملة الانتخابية للمرشح "نيلسون
روكفلر"
عملاق النفط الأمريكي الذين عينه مستشارا لمؤسسة "روكفلر" وقد لخص
"كيسنجر" إستراتيجية مؤسسة
"روكفلر العالمية" بقوله "إن سيطرت على النفط، فإنك تسيطر على أمم
بأكملها، وإن سيطرت على الغذاء، فإنك تسيطر على الشعوب، أما إن سيطرت على المال
فإنك تسيطر على العالم بأسره".
قام كيسنجر بصياغة أفكاره
من خلال دراسة التاريخ التي بدأها في رسالته للدكتوراه عن الحروب النابليونية
ونتائجها في القرن التاسع عشر، ونشرها في كتابه «استعادة العالم» الذي رأى فيه أن
بريطانيا نجحت من خلال الدبلوماسية والسياسة في الحفاظ على السلام الأوروبي، من
1815 حينما هزم نابليون بونابرت وحتى 1914 عندما نشبت الحرب العالمية الأولى. هوس كيسنجر بإيجاد التوازن
الدولي، كان أيضاً محرك زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى بكين عام 1972،
التي أدخلت الصين إلى الاقتصاد العالمي . شغل كيسنجر منصب مستشار الرئيس (ريتشارد
نيكسون) لشؤون الأمن القومي في الفترة 1969 وحتى 1973، كذلك، شغل كيسنجر في الفترة
1973-1977، منصب وزير الخارجية لدى كل من نيكسون وفورد. كانت المهمة التي ركز
عليها كيسنجر في تلك الفترة هي تأكيد قيادة الولايات المتحدة الامريكية للعالم وإعادة
ربط النظام النقدي الدولي بالاقتصاد الأمريكي .
في
شهر مايس 1973 وفي فيلا عائلة "والنبيرغ " السويدية ذات النفوذ
المالي والاقتصادي الواسع والواقعه في جزيرة " سالتزجوبادن " تم
عقد اجتماع لمجموعة "بيلدربيرغ" وهي مجموعة تجتمع سنويا تحت حراسات
مشددة لمدة ثلاث أيام سنويا لمناقشة الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية
ومستقبل تلك الأوضاع ، وكان من بين الحضور (هنري كيسنجر)و(زبيغنو بريجينسكي )و(والتر
ليفي) مستشار نفطي ومعد ورقة بيلدبيرغ بالإضافة الى (ديفيد روكفلر ) عملاق النفط الأمريكي
ومالك بنك تشيس مانهاتن واللورد (غرينهيل) عن شركة بريتيش بتروليوم، و(جورج بول)
عن مؤسسة ليمان براذرز ، و (جايمس اكنز) مستشار من البيت الأبيض و(روبرت اندرسون) رئيس
مجلس إدارة شركة اتلانتيك رشيفيلد النفطية، و(وليام بندي) عضو مجلس العلاقات
الخارجية ، نيويورك، و (اي . جي . كولادو) نائب رئيس شركة اكسون النفطية ، و(آرثر
دين
(
شريك
قانوني لدار سوليفان آند كروميل ، و(هنري . جي . هينز ( رئيس مجلس إدارة شركة هينز ، وولتر ليفي ()، روبرت ميرفي (من كبار موظفي وزارة الخارجية سابقا )، جون
تاور
(سيناتور)، وكارول ويلسون (أستاذة في جامعة ام . آي . تي ، (سير
إيريك دريك
( رئيس مجلس إدارة بريتش بتروليوم ، و(دينيس
هيلي) عضو برلمان البريطاني ، و(سير إيريك رول ( نائب رئيس شركة ووربيرغ وشركاة ، و(سير ريجنالد
مالدينع
(
عضو
البرلمان البريطاني ، و(رينيه غداينير دو ليلياك) من شركة البترول الفرنسية ، و(البارون ادموند دي
روتشيلد
(مصرفي
، و(ايفون باهر) وزير وزارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ، و(هيلموت شميدت ) وزير المالية الألماني ، و(بريجيت برويل ) من مجلس مدينة هامبورغ ، و (ثيو شومر ) ناشر صحيفة دي زييت الالمانية ، و (اوتو وولف فون اميرنوجن ) من غرف
التجارة الألمانية ، و(جيفاني اغنيللي ( شركة فيات الإيطالية ، و (المركيز سيتاديني سيزي) ، و(رافائيل جيت (رئيس مجلس إدارة شركة أيني الايطالية و(راييغو
ليفي
(من
جريدة لاستمبا الايطالية ، و(أولوف بالمه) رئيس الوزراء السويدي ،و(ماركوس والنبيرغ) رئيس
مجلس إدارة سي _ بانكين ، و(كريستر ويكمان (حاكم البنك المركزي السويدي ، و(اف.جي .
فيليبس
( رئيس
مجلس إدارة شركة فيليبس الهولندية ، و(غيريت أ. واجنر ) ، و(ماكس كوهنستامن .( رئيس مجلس إدارة شركة رويال دتش شل).وكان المتحدث الرئيسي في الاجتماع هو "والتر
ليفي " الذي استعرض موضوع ابتعاد الدول عن شراء الدولار بعد قرارات نيكسون
ولجوء الدول الى شراء الذهب من الأسواق. وكذلك
موضوع رفض الحكومة الامريكية طلب رفع معدل إنتاج البترول محلياً المقدم من منتجي
النفط المحليين المتخوفين من السماح باستيراد مفتوح للنفط يجعل النفط المستورد من
الخليج أرخص من الإنتاج المحلي فتنهار أعمالهم مما ولد أزمة كبيرة في كمية الطاقة
المطروحة وبهذا باتت أمريكا بين خيارين الأول إما رفع سعر النفط داخل البلاد
والسماح باستخدام آبار جديدة ورفع الإنتاج وتغيير قوانين البيئة أو تسمح بتدفق
النفط المستورد مما سيحول النفط المستورد لأرخص من النفط المحلي بحكم فارق الأسعار
بين ما تصدره دول النفط و بين السعر المحلي فيكون النفط المستورد رائج بينما
الإنتاج المحلي يصاب بالركود . عرض كيسنجر على الاجتماع خطته في تغيير الوضع في تغيير
الوضع ودفع الدول الى طلب الدولار . صدر عن الاجتماع عدة قرارات كان أهمها :
1.
رفع
سعر برميل النفط الخام اربعة اضعاف, من 3 دولار للبرميل الواحد الى 12 دولارعام
1973
2.
شن
حظر نفط عالمي لفرض ارتفاع في أسعار النفط.
3.
منغ
لجوء العالم الى الطاقة النووية البديلة عن الطاقة الاحفورية .
4.
محاولة
عرقلة النمو الصناعي العالمي لكي يعيدوا ترجيح الكفة لصالح المحور
الانجلو-أمريكي المالي وللدولار الامريكي
من
اجل تحقيق ذلك الهدف طلب كيسنجر من المجتمعين ان يكون مطلق التصرف في تنظيم
السياسة الخارجية الامريكية ، وكان له ما أراد مع انشغال الرئيس الأمريكي " ريتشارد
نيكسون " بالاتهامات التي وجهت له في ما عرف لاحقا باسم "فضيحة ووترغيت
" . فاصبح كيسنجر مطلق اليد في وضع سيناريو لعبته المالية
كان لابد من فك ارتباط
الدولار بالذهب "المحدود كميته" واعادة ربطه بالبترول ، حتى تكون عملة
الاحتياطي المركزي "الدولار" هي العملة الاحتياطية لكل بنوك دول العالم
، وفي الفترة ما بين 1971 و 1973 تم مضاعفة أسعار النفط أربعة مرات ومن ثم اختلقوا
عذرا واهيا "حرب أكتوبر" حتى يتسنى لهم تبرير زيادة أسعار الذهب الأسود
وبالتالي كان لابد لمبرر آخر وهو حظر تصدير الذهب كردة فعل على حرب أكتوبر لكن
الإجراءات التي أدت الى رفع أسعار النفط بالمقابل كانت في مايو عام 1973 أي قبل
حرب أكتوبر بخمسة أشهر.
بدأ كيسنجر بالقيام بمجموعة
اتصالات وزيارات للدول المصدّرة للنفط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وقد
تمكن بدايةً من إقناع الملك فيصل باستعمال الدولار الأميركي فقط كوسيلة لبيع وشراء
النفط مقابل وعود قطعتها واشنطن بتزويد الرياض بأسلحة حديثة، وتعهدات بضمان أمنها
وبدور قيادي لها في المنطقة، إلى جانب تمكُّنه من إقناع العاهل السعودي بإيداع عائدات
المملكة النفطية في البنوك الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لتعود الدولارات
مرة جديدة إلى المؤسسات الغربية الأميركية، فيما يعرف بـ"إعادة تدوير الدولار". . لقد لعب كيسنجر على وتر خوف الملك فيصل
ابن عبد العزيز ملك السعودية من السوفيت,. وبحلول عام 1977، كانت السعودية قد
اشترت نحو 20% من جميع سندات الخزانة الأميركية المباعة للأجانب.وتم فرض هذا الأمر على منظمة أوبك.
لكن كانت هناك عقبة تواجه
خطط كيسنجر الا وهي ان احداث ارتفاع في أسعار النفط أربعة اضعاف يحتاج الى هزة
كبيرة تجعل العالم يؤمن بأهمية النفط . من هذا المنطلق بدأ كيسنجر التخطيط لحرب تشرين
/أكتوبر 1973 . والتوقيت هنا مهم جدا فالحرب يجب ان تقع قبل نهاية عام 1973 وفي
الوقت الذي يكون فيه العالم مازال يترنح من صدمة "نيكسون " ولم يتوصل
بعد الى القناعه الكاملة بنظام " البترو دولار" .
في أب 1973 يجتمع الملك
فيصل والرئيس المصري أنور السادات في الرياض سرا، حيث تم التوصل إلى اتفاق بموجبه
يستخدم العرب "سلاح النفط" كجزء من الصراع العسكري القادم. وكان الهدف
هو زيادة سعر النفط الخام , وفعلاً ارتفع سعر النفط الى 13 دولار للبرميل الواحد.
بمعنى أخر ارتفع سعر برميل النفط الخام بمعدل 400
%.، وهذا يعني طبع و ضخ المزيد من الدولار,
علماً ان طبع ورقة 100 دولار يكلف الخزينة الامريكية 35 سنتاً . هذه الخطة اجبرت
دول العالم على التهافت لشراء الدولار للحصول على حاجياتها من النفط، وقدمت
لامريكا سلعا ذات قيمة مادية مقابل عملة ورقية عادية. وعملت المطابع الامريكية بكل
طاقاتها لطباعة الدولار دون ان تضطر الدولة لتعويضه بالذهب.
6. حرب تشرين الأول /اكتوبر 1973
في 6 تشرين الأول/اكتوبر
1973، هاجمت مصر وسوريا القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. استطاع الجيش المصري عبورقناة السويس واستقر
على الضفة الشرقية للقناة يوم 10 تشرين الأول. فى صباح يوم 7 تشرين الأول ولم يكن
مضى على بدءالمعارك أكثر من عشرين ساعة بعث حافظ إسماعيل برسالة إلى كيسنجر ، جاء
فيها بالنص فى البند رقم 6 من الرسالة ( أننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو
توسيع مدى المواجهة ) وقد أورد ذلك الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى نشر النص الكامل
للرسالة فى كتابه ( أكتوبر 73 السلاح و السياسة ) وقد قام كيسنجر بنقل هذه الرسالة
فور وصولها له إلى جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل كما تمت المحافظة على مطار
العريش الذى أستقبل الجسر الجوى الأمريكى لنجدة اسرائيل ولم يتم ضربة طيلة
المعركة . طبقا لمذكرات الرئيس المصري أنور السادات فإن كيسنجر أبلغه أنه لايمكنه
الحصول على دعم أمريكي في المفاوضات بينما هو الطرف المهزوم، ما فسر على أنه ضوء
آخر بشن الحرب المحدودة التي لاتكسر "إسرائيل" وتنقذ ماء وجه السادات، وهذا
ما قد يفسر سبب عدم تطوير الهجوم بعد عبور القناة والانتظار لمدة ستة أيام ضاعت
خلالها فرصة المباغته .
اقترح كيسنجر دعوة
الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى نهاية للقتال بين مصر وإسرائيل،
والعودة إلى حدود وقف إطلاق النار عام 1967.
وقد وافق الاتحاد السوفيتي على المقترح ولكن المصريين رفضوا ذلك
. عند هذه النقطة قام كيسنجر بزيارة خاطفة إلى تل أبيب حيث أخبر الإسرائيليين عدم
ممانعة الولايات المتحدة إذا رغب الجيش الإسرائيلي في التقدم وبالفعل في 16 تشرين
الأول، عبرت قوات الجيش الإسرائيلي قناة السويس بما يعرف باسم " ثغرة
الدفرسوار" ، وتمت محاصرة الجيش الثالث المصري وبدأ السادات في إظهار الاهتمام
بوقف إطلاق النار. أعلنت السعودية خفض الإنتاج بنسبة 15%، ومن خلال الأوبك تم رفع
سعر النفط بنسبة 70% ليصل السعر إلى 5 دولارات و12 سنتًا لتحصد السعودية الأرباح.في التاسع عشر من أكتوبر اُضطرت
السعودية لتفعيل حظر النفط بعد أن سبقتها ليبيا، لتفادي حالة الغضب التي سرت بين
الجماهير العربية، حينما أقر الكونجرس الأمريكي اعتماد معونة عسكرية عاجلة لدعم
إسرائيل بمبلغ 2.2 مليار دولار. قام الرئيس السوفيتي (بريجنيف) بدعوة
كيسنجر لزيارة موسكو للتفاوض على اتفاقية.وتفتق
ذلك عن اقتراح أمريكي- سوفيتي لوقف إطلاق النار يعقبه محادثات سلام، صدق
عليه مجلس الأمن الدولي يوم 22 تشرين الاول في القرار 338.وبعد ذلك،. رفض الإسرائيليون التوقف.وفي
24تشرين الأول ، بعث بريجنيف برسالة على الخط الساخن إلى نيكسون اقترح فيها إرسال
الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قوات إلى مصر لتنفيذ وقت إطلاق النار.وهدد بريجنيف نيكسون إذا رفض
الاقتراح قائلا: “سنكون في مواجهة الحاجة الملحة إلى دراسة مسألة اتخاذ قرار ملائم
بشكل أحادي" ، هدأت الأزمة عندما تبنى مجلس الأمن القرار 340، والذي دعا إلى
وقف إطلاق النار، وسحب كافة القوات إلى وضعها التي كانت عليه في 22 تشرين الأول
، ووضع مراقبين أمميين وقوات حفظ سلام لمراقبة وقف إطلاق النار.وفي هذه المرة، وافق الإسرائيليون
على القرار.وهكذا، انتهت حرب
1973 .
كان الرئيس "نيكسون"
يعاني من لسعات الانتقادات التي توجه له في دوامة "ووترغيت" وفي نفس
الوقت يعرف أسلوب كيسنجر في إدارة ملف الحرب لذلك حاول ان يحاصر جهود كيسنجر في إطالة
امد الحرب فعمد كما يذكر كيسنجر في مذكراته الى استغلال سفر الأخير الى موسكو
لمناقشة السوفيات في ترتيبات ما بعد الحرب يوم 20 تشرين الأول وبعث برسالة الى
الرئيس السوفيتي "بريجينيف " عبر السفير السوفيتي في واشنطن ، قائلا "
ان الالتزامات التي يلزم بها نفسه كيسنجر ، خلال محادثاتكم ، اوليها كامل دعمي دون
تحفظ " . يقول كيسنجر عن هذه البرقية " لقد صعقت فمثل هذه المذكرة لاتبقي
لدي أي إمكانية لتاخير الأمور او تأجيلها " . ولتجنب أي محاولة لتأخير او
تعديل الرسالة عمد "نيكسون " الى أسلوب غاية في الدهاء وهو انه كتب في نهاية
الرسالة وبخط يده عبارة " السيدة نيكسون تشترك معي باهدائكم اصدق تحياتها الشخصية
للسيدة بريجينيف ولكم انتم أيضا " هذه العبارة تمنع أي محاولة قد يقوم بها أي
شخص في تعديل نص الرسالة وهو أسلوب معروف في المخاطبات التي تخرج من البيت الأبيض .
وليؤكد بريجينيف انه استلم الرسالة وفهمها فقد كتب بخط يده أيضا في ذيل رده المكتوب
بالاله الكاتب عبارة " تشكركم السيدة بريجينيف على ما ابديتموه نحوها من تحيات
صادقة ، وتشترك معي هي أيضا لتهديكم تقديرها الشخصي للسيدة نيكسون ولكم أيضا"
. وبذلك اصبح لزاما على كيسنجر انهاء
الحرب ، فقد حاصره الرئيسان في زاوية ضيقه ومنحاها سلطة اتخاذ الإجراءات لوقف
الحرب .
7. قصة حظر تصدير النفط
من اجل تحقيق الهدف
المتفق عليه في اجتماع مجموعة "بلديربيرغ " برفع أسعار البترول بنسبة 400 %، تم عقد سلسلة من الاجتماعات التي ضمت "هنري
كيسنجر" و"انور السادات" الذي ارسل مبعوثه الخاص "حافظ إسماعيل"
للالتقاء سرا بالوزير الامريكي عدة مرات. كانت خطة كيسنجر تقضي بترتيب اشعال حرب
محدودة بين اسرائيل وكل من مصر وسورية . وجه كيسنجر دعوة لمبعوث السادات حافظ
اسماعيل للقاء الرئيس نيكسون في شباط 1973 وقام باصطحابه لاجتماعات سرية لمدة
يومين في منزل خاص اعد لهذا الغرض في احدي ضواحي نيويورك، وفي ذلك يقول كيسنجر "
وزارة الخارجية لم تكن علي علم بأي من الاجتماعات السرية التي عقدتها مع اسماعيل
علي مدار يومين لاستعراض شامل للعلاقات المصرية الامريكية" ، وقبل وصول
اسماعيل الي واشنطن كتب نيكسون الي كيسنجر يقول " لقد حان الوقت لتتوقف عن
رعاية المواقف الاسرائيلية المتصلبة، فقد ادت مواقفنا السابقة الي ترسيخ انطباع
لديهم من اننا سنقف بجانبهم حتي في ممارساتهم اللامنطقية
".
تم اطلاع السعوديين علي
مايجري في قناة مباحثات اسماعيل ـ كيسنجر السرية. كانت السعودية هي اكبر منتج
للنفط وسيكون لها دور رئيسي في عملية حظر النفط العربي عن الغرب وللزيادة المتوقعة
في اسعاره، وفي نفس الوقت حصل تطور آخر بالانخفاض الكبير الذي طرأ علي سعر الدولار
بنسبة 40 % مقابل المارك الالماني خلال شهري شباط (فبراير) واذار (مارس) 1973 واصبح
النظام المالي العالمي يعيش حالة من التقلب المتزايد.
في اذار (مارس) 1973 زارت
غولدا مائير رئيسة
وزراء اسرائيل الولايات المتحدة حيث رفضت وكما هو متوقع منها افكار نيكسون والخضوع
لاي ضغوط لتغيير موقف اسرائيل المتعنت، ابلغت غولدا مائير نيكسون بأن العرب لا
يملكون أي خيار عسكري وبأن الوضع بالنسبة لاسرائيل لم يكن افضل مما هو عليه الآن.بتاريخ 11 نيسان (ابريل) 1973 تم عقد
الاجتماع الثاني بين كيسنجر واسماعيل، وكانت الاستعدادات الحربية قد بدأت بعد
اجتماعهما الاول حيث تم تحريك قوات من دول عربية حليفة لامريكا الي الجبهتين المصرية
والسورية بعلم وموافقة ضمنية من واشنطن .
قام "كيسنجر" بالسفر
إلى السعودية والتقى بالملك فيصل واتفقا على ان يكون بيع النفط السعودي بالدولار الأمريكي
فقط على ان يتم استثمار تلك الدولارات في سندات الخزانة الأمريكية مع تقديم وعد بحماية
العرش السعودي وتوفير الأمن العسكري لحقول النفط وتوفير الأسلحة العسكرية المتطورة
لهم أيضا . وقد تم تعيين المصرفي (ديفيد ملفورد ) مستشارا للاستثمارات لمؤسسة النقد
السعودي (ساما) وليقوم بتوجيه البترودولار السعودي للاستثمار في البنوك المناسبة
تحديداً في نيويورك ولندن . في ذلك الاجتماع أعاد الملك على مسامع كيسنجر ما حصل
لسمعة المملكة بعد هزيمة القوات العربية في حرب 1967 . ففي يوم 6 حزيران 1967 طرح
العراق فكرة حظر تصدير النفط واتخذ قرارا بمنع تصدير النفط للدول المتحالفة مع
إسرائيل وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، والذي طبقته فعليًّا بدءًا من يوم 6 يونيو. وفي
مؤتمر قمة الخرطوم في 29 أب عام 1967، أعاد العراق وليبيا طرح موضوع الحظر مرة
ثانية ، لكن فيصل رفض رافعًا الشعار أن النفط ليس سلاحًا بل هو مورد اقتصادي يتعين
استخدامه في حدود المصالح الاقتصادية والتجارية.
وقد تمت معاقبة كل من الحكومة العراقية بانقلاب 17 تموز 1968 ومعاقبة
المملكة الليبية بانقلاب 1969 .
بالنسبة لحظر النفط فقد
كانت الية تطبيق الحظر مضحكة جدا فالسعودية وكما قال وزير النفط السعودي (احمد زكي
يماني) ، كانت تطلب من ربان كل سفينة بترولية التعهد بعدم نقل البترول لدولة عليها
حظر . وقد استمر الحظر (150) يوما . في تشرين الثاني عام 1973 تم زيادة نسبة
التخفيض في الإنتاج إلى 25%، وفي كانون الأول من نفس العام تم رفع الأسعار بنسبة
70%، ليصبح سعر البرميل 11.5 دولار متخطيًا لأول مرة حاجز العشرة دولارات. بعد الحرب طلب كيسينجر من
شاه ايران أن يطلب من الدول المنتجة بالخليج
زيادة الاسعار.وعندما حاول أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي أثناء حرب اكتوبر الاستفسار
عن اسباب زيادة الأسعار كانت إجابة الشاه له "اطلب من مليكك أن يسأل كيسنجر
فعنده الجواب.”
وبعد انتهاء المعركة
عمليًّا، وفي نوفمبر عام 1973 تم زيادة نسبة التخفيض في الإنتاج إلى 25%، وفي
ديسمبر من نفس العام تم رفع الأسعار بنسبة 70%، ليصبح سعر البرميل 11.5 دولار
متخطيًا لأول مرة حاجز العشرة دولارات.لاحقاً بضغط من
كسينجر و بضغط من السادات رفع الحظر سريعاً في 17 مارس 1973 بإستثناء ليبيا التي
لم ترفع الحظر و إنتهت الازمة كما بدأت بتوافق بين الاطراف المختلفة و بتحقيق
مصالح الولايات المتحدة فوقت البداية وو قت النهاية حقق المصالح و لم يحقق ضرر
مطلق فكان الأمر عملياً متوائم لحد كبير مع المصالح الأمريكية.
وكان من نتائج الحظر
المزعوم :
1. تم رفع أسعار النفط من 3 إلى 12 دولارًا
للبرميل، وشكلت تلك الطفرة للسعودية والخليج بداية تكوين ثروات واسعة.
2. بالنسبة للولايات المتحدة فقد كانت
المستفيد الأكبر من الحظر البترولي احيث كان إنقاذ لاقتصادها
3. تحسن موقف الدولار مقابل تراجع عملات
أوروبا واليابان،
4. أدى ارتفاع سعر البترول كنتيجة للحظر إلى
إضعاف الاقتصاد في أوروبا واليابان لصالح الاقتصاد الأمريكي
5. سجلت أرباح الشركات البترولية الأمريكية
معدلات قياسية للأرباح لم يسبق لها مثيل بشكل ربما نشعر به حينما نعلم ان نصيب
العرب عام 1974 كان 60 مليار دولار أما أرباح الشركات الأمريكية كانت 420 مليار
دولار فقط في التكرير و التسويق بخلاف الارباح الاصلية في النفط نفسه.
6. انتعش الاقتصاد الأمريكي نتيجة الودائع
والاستثمارات العربية الهائلة التي انهالت على البنوك والشركات الأمريكية.
7. تم تجميد قوانين البيئة الخاصة بالهواء
والماء السابق إصدارها، والتي كانت تمثل ضغطًا على صانع القرار ومشكلة للمنتجين
للطاقة في الولايات المتحدة.
8. تشكيل سوق حرة في
"روتردام"،بالإضافة إلى ظهور مضاربة محمومة على النفط في كل مكان.حتى أن
الحمولات المشتراة كانت تباع عدة مرات وهي في طريقها بين مرفأ التحميل والمرفأ المقصود
9. استغلال شركات البترول الانجلو-أمريكية
لاستثمارات بملايين الدولارات في حقول بحر الشمال المحفوفة بالمخاطر لجني فوائد
عالية لم تكن ممكنة قبل تأمين خطة كيسينجر للحظر.
10.
تمكنت
(شركة مساعدة البلدية) المشكلة من تسعة بنوك هي تشيس مانهاتن، سيتي بانك، وبنك
لندن-نيويورك للاستثمارات وبنك لازارد فريريز وبنوك أخرى ف برئاسة (ديفيد روكفلر )
من السيطرة على اقتصاد الولاية لتسديد مديونية البنوك.
11.
حققت
المؤسسات المصرفية في نيويورك ولندن وشركات النفط “الاخوات السبع” المتعددة
الجنسية في لندن ونيويورك أرباحا هائلة . فقد حلت شركة إكسون محل شركة جنرال
موتورز كأكبر شركة أمريكية في اجمالي الارباح بحلول ١٩٧٤ تبعتها “اخواتها” من
أمثال شركة موبيل ، تكسكو، شيفرون وجلف.
12.
الحجم
الأكبر من أرباح دولارات أوبيك تم ايداعها في بنوك لندن ونيويورك الرئيسية تحديداً
البنوك التي كانت تتعامل بالدولار وتتعاطى تجارة النفط الدولية. تشيز مانهاتن،
سيتي بانك، مانيوفاكتشرر هانوفر، بنك أميركا، باركليز، لويدز، ميدلاند بانك، كلها
بنوك تمتعت بالمكاسب والأرباح الفجائية الناتجة عن صدمة البترول.
تحققت النتيجة الرئيسية
بالنسبة لمخططيها وهي رفع أسعار النفط بنسبة 400 % وطبقاً لما تم الإتفاق عليه في
اجتماع مجموعة بيلدبيرغ في ايار (مايو) 1973 أي قبل اندلاع الحرب بخمسة أشهر. ومثل
هذا الارتفاع الفلكي في سعر النفط أمر لم يكن بالإمكان السماح بحدوثه لولا رغبة
الولايات المتحدة ومصلحتها في المقام الأول. وطبقاً لدراسة أعدها البروفسور جورج.
سي. لودج George C Lodge. وتشكل
جزءاً من المنهج الذي يدرس لطلبة الماجستير في مساق شؤون النفط الدولي بكلية إدارة
الأعمال بجامعة هارفارد فإن ضمان الإمدادات النفطية للغرب ليس وحده الذي يشكل أحد
مطالب الأمن القومي فيما يتعلق بموضوع النفط، بل هناك سعر النفط أيضاً. الدولار عملة
المبيعات النفطية
في عام 1975 وبموجب مبادرة
من إيران والسعودية، وافقت منظمة الأقطار المصدرة للنفط اوبك علي اعتماد الدولار
الأمريكي العملة الوحيدة لمبيعاتها النفطية، بحيث لم تعد تقبل أي عملات أخري بما
في ذلك الجنيه الاسترليني. كان ذلك في الواقع بمثابة استبدال لمعيار الذهب الذي تم
الاتفاق عليه في قمة بريتون وودز كأساس لنظام الصرف العالمي، بنظام صرف الدولار
النفطي الغير مستقر الواقع تحت هيمنة بلد واحد هو الولايات المتحدة والنخبة المالية
الأمريكية في الوول ستريت . وهكذا تم استبدال معيار الذهب الأصفر بمعيار الذهب
الأسود، وكانت الولايات المتحدة قد اعترضت بشدة علي مقترح للمفوضية الأوروبية عام
1974 باعتماد الذهب أساساً في الميزان التجاري الداخلي لدول المجموعة الأوروبية
حيث قيمت سعر الذهب بحدود 150 دولاراً للأونصة. وقتها اعتبرت الولايات المتحدة
المشروع الأوروبي بمثابة محاولة لإضعاف دور الدولار، وتوجه وكيل وزارة الخزانة
بوول فولكر وقتها إلي أوروبا لإبلاغ الاعتراض الأمريكي علي محاولة اعادة إدخال
الذهب إلي النظام النقدي بأي حال. وعندما أصبح فولكر رئيساً للإحتياط الفيدرالي
(البنك المركزي الأمريكي) عام 1979 كشف عن السياسة النقدية الجديدة للاحتياط
الفيدرالي، وهي نفس السياسات التي تبنتها بريطانيا أيضاً خلال سنوات مارغريت تاتشر
عندما
نضع الاحداث في تسلسلها التاريخي يتبين حجم اللعبة التي حصلت امام انظار العالم
وكيف تمكنت السياسة الامريكية من اقناع بقية الدول بالقبول باخذ الدولار الورقي
مقابل الاستغناء عن احتياطياتها من الذهب وكيف تم ذلك بكل سلاسه فلم تكن "ووترغيت
" محض صدفة ولم تكن حرب تشرين الأول / أكتوبر ١٩٧٣ ضد اسرائيل عشوائية او
قراراً عربياً ولم يكن قرار حظر النفط منطلقا من التضامن العربي ولم يركع وزير
خارجية أمريكا باكيا امام ملك السعودية متوسلا تزويد طائرته بالنفط ولم تكن الصلاة
في القدس هي الدافع لقطع النفط فقد كان كل هذا كان مدبرا في واشنطن ولندن ومنسقا
بحرفية ودبلوماسية سرية بالغة من مستشار الأمن القومي ووزير خارجيه ريتشارد نيكسون
آنذاك هنري كيسينجر.
المصادر
1. شوقي طارق,مذكرة شهادة الماجستير,جامعة
الحاج لخضر كلية الاقتصاد ,2009.
2. صبحي تادريس قريصة . النقود و البنوك و لعلاقات الاقتصادية الدولية . دار
النهضة العربية بيروت. 1984 .
3. سامي عفيفي حاتم . التجارة
الخارجية بين التنظيم و التنظير الدار المصرية اللبنانية القاهرة . 1999.
4. محاضرات حنان الجشعم , كلية الاقتصاد
والإدارة, جامعة الملك عبدالعزيز,جدة
5. محمد دويدار،
أسامة الفولي، مبادئ الاقتصاد النقدي، دار الجامعة الجديدة الاسكندرية . 2003 .
6. زينب عوض الله أساسيات الاقتصاد النقدي و
المصرفي منشورات الحلي الحقوقية جامعة الإسكندرية
7. مذكرات هنري كيسنجر
8. مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي
[1] شوقي طارق,مذكرة
شهادة الماجستير,جامعة الحاج لخضر كلية الاقتصاد ,2009, ص2
[2] صبحي تادريس قريصة . النقود
و البنوك و لعلاقات الاقتصادية الدولية . دار النهضة العربية بيروت. 1984 . ص
14.
[3] سامي عفيفي حاتم . التجارة
الخارجية بين التنظيم و التنظير الدار المصرية اللبنانية القاهرة . 1999.
ص 161
[4] محاضرات حنان الجشعم , كلية
الاقتصاد والإدارة, جامعة الملك عبدالعزيز,جدة ,ص1, 2
[5] حنان الجشعم , نفس المرجع
السابق ص2
[6] محمد دويدار، أسامة الفولي، مبادئ الاقتصاد النقدي، دار
الجامعة الجديدة الاسكندرية . 2003 .ص 151,ص152
[7] زينب عوض الله أساسيات
الاقتصاد النقدي و المصرفي منشورات الحلي الحقوقية جامعة الإسكندرية 2003 .ص148
تعليقات
إرسال تعليق