صناعة الاحاديث وخرافات كعب الاحبار الجزء الثاني

زهير جمعة المالكي
اليوم نكمل الجزء الثاني من الاحداث التي رافقت ظهور كعب الاحبار في التراث الإسلامي واثره في تلك الاحداث وكيف تسلل الى الوجدان العربي لتصبح كلماته جزء من الاحاديث التي نسبوها الى الرسول وفي خلق الكثير من الخرافات ومنها خرافة الصخرة المقدسة وذكر عمر في التوراة ودوره في قتل عمر ابن الخطاب . وسنكمل البقية في جزء ثالث .
1. منذ اول أيام وصوله الى المدينة حاول كعب ابن ماتع ان يبني حول نفسه هالة من الغموض المشوب بالقداسة ويتجلى ذلك فيما رواه في الطبقات الكبير (الطبقات الكبرى) (طبقات ابن سعد) لابن سعد؛ محمد بن سعد بن منيع الزهري، مولاهم، أبو عبد الله تحقيق: علي محمد عمر الناشر: مكتبة الخانجي طبعة 2001 . حول اسلامه " قال العباس بن عبدالمطلب لكعب : ما منعك ان تسلم على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) و ابي بكر ، حتى اسلمت الان على عهد عمر؟. فقال : ان ابي كتب لي كتابا من التوراة ودفعه الي ، وقال : اعمل بهذا وختم على سائر كتبه ، واخذ علي بحق الوالد على ولده ان لا افض الخاتم فلما كان الان ، ورأيت الاسلام يظهر ولم ار باسا ، قالت لـي نـفسي : لعل اباك غيب عنك علما كتمك ، فلوقراته ففضضت الخاتم ، فقراته ، فوجدت فيه صفة محمد وامته فجئت الان مسلما فوالى العباس " اذن هو يدعي انه وجد صفة الرسول في الكتب التي اخفاها ابيه عنه رغم انه سمع بالرسول منذ ان وصل علي ابن ابي طالب الى اليمن في حياة الرسول ولكن لم يقتنع الا بعد ان قراء كتب ابيه التي لم يطلع عليها احد غيره .
2. نجح كعب في اثارة فضول عمر ابن الخطاب الذي سبق وان قال عن نفسه انه معجب بقصص اليهود كما ذكرنا في الجزء الأول فاخذ مر يسأل كعب الأحبار عن الغيب وما سيجري في المستقبل ويرسل كلامه إرسال المسلّمات ، فقد ذكر الطبراني في معجمه الكبير - الجزء (1) - الصفحة (126) :- 120 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِرْقٍ الْحِمْصِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، ثنا أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ رَبِيعَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: يَا كَعْبُ كَيْفَ تَجِدُ نَعْتِي؟ قَالَ: «أَجِدُ نَعْتَكَ قَرْنًا مِنْ حَدِيدٍ» قَالَ: وَمَا قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: «أَمِيرٌ سَدِيدٌ لَا يَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ» ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَكَ خَلِيفَةٌ تَقْتُلُهُ فِئَةٌ ظَالِمَةٌ» قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: (ثُمَّ يَكُونُ الْبَلَاءُ).
3. حاول كعب ابن ماتع استغلال هذا الفضول ليخلق نموذج معروف في التراث اليهودي وهو نموذج (الملك والنبي ) الذي يذكرنا بقصة طالوت التي وردت في القران عندما قام (احد انبياء بني إسرائيل ) بالإشارة الى اختيار الله لطالوت (ملكا ) فتكون السلطة الدنيوية للملك (الخليفه ) والسلطة الدينية (للنبي ) .
4. عمل كعب على تعزيز هذا النموذج في قلب عمر ابن الخطاب مما كان يردده على مسامعه مثل قوله كما يروي ابن عساكر في تاريخ دمشق الجزء 44 الصفحة 95 " أن كعب الأحبار قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين هل ترى في منامك شيئا؟! فانتهره. فقال: إنا نجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه ".
5. يروي السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء " ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب: الرد على الجهمية، من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله: أن كعب الأحبار قال: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: والذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها، فخرّ عمر ساجدًا"
6. كذلك يروي السيوطي قال كعب الأحبار: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبي يوحى إليه، فأوحى اللَّه إلى النبي أن يقول للملك: اعهد عهدك، واكتب وصيَّتك، فإنك ميت إلى ثلاثة أيام. فأخبره النبي بذلك. فلما كان اليوم الثَّالث وقع الملك بين الجدار والسرير، ثم جاء إلى ربه، فقال: «تعلم أني أعدل في الحكم»، فزد في عمري. فأوحى اللَّه إلى النبي «أن الملك صادق». وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة، ففي ذلك ما يكبر طفله " وكان هذا اول تلميح الى أسلوب الوراثة في نقل الحكم
7. لما طعن عمر قال كعب: لئن سأل عمر ربه ليُبقينَّه اللَّه، فأخبر بذلك عمر، فقال: اللهم اقبضني إليك والاصل التوراتي لهذه القصة جاء في سفر الملوك الثاني 20 بالنص " وَمَرِضَ حَزَقِيَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ قَائِلاً: «هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ: ’نَظِّمْ شُؤُونَ بَيْتِكَ لأَنَّكَ لَنْ تَبْرَأَ بَلْ حَتْماً تَمُوتَ‘». 2 فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْحَائِطِ وَصَلَّى قَائِلاً: 3 «آهِ يَا رَبُّ، اذْكُرْ كَيْفَ سَلَكْتُ أَمَامَكَ بِأَمَانَةٍ وَإِخْلاصِ قَلْبٍ، وَصَنَعْتُ مَا يُرْضِيكَ». وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً مُرّاً. 4 وَقَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ إِشَعْيَاءُ فِنَاءَ الْقَصْرِ الأَوْسَطِ خَاطَبَهُ الرَّبُّ قَائِلاً: 5 «ارْجِعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا رَئِيسِ شَعْبِي: هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ إِلَهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاتَكَ، وَرَأَيْتُ دُمُوعَكَ، وَهَا أَنَا أُبْرِئُكَ، فَتَذْهَبُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِلصَّلاةِ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ " وبهذا يكتم الننموذج فعمر هو حزقيا ولابد ان يكون بجانبه (نبي ) ومن يكون غيره (كعب الاحبار ) .
8. يقول عبد الوهَّاب النجارفي كتابه ( الخلفاء الراشدون ) الصفحة 222 (يوم افتُتح بيت المقدس دعا عمر كعباً يستشيره: (أين ترى أن نجعل المصلَّى؟ فقال: إلى الصخرة. فقال: ضاهيت، واللَّه، اليهودية يا كعب، فكبَّر الناس. فسأله عن سبب تكبيره فقال: إنه قد تنبأ على ما صنعت نبي منذ خمسمئة سنة. وسرد له خبراًمن الإسرائيليات التي ابتدعها ولا أصل لها) . وقال: يا ابن أم كعب ضارعت اليهود -أي أن كعبا كان يريد أن يجعل قبلة اليهود والمسلمين واحدة، إلى الصخرة- وأمر ببنائه في مُقَدِّم بيت المقدس أمام الصخرة.
9. كان دخول عمر الى بيت المقدس الباب الذي ادخل من خلاله كعب الاحبار خرافة الصخرة المقدسة التي تحولت الى ثاني مسجد تشد اليه الرحال في الإسلام .
10. ينسب الجغرافي الهمذاني إلى كعب قولاً يشهد على توقيره للصخرة: (قال كعب: قرأت في التورية أن الله جلّ وعزّ يقول للصخرة: أنت عرشي الأدنى، منك ارتفعت إلى السماء، ومن تحتك بسطت الأرض، ومن أحبّك أحبّني ومن أبغضك أبغضني
11. ذكر ابن كثير الموضوع ذاته ، فيقول: "إن عمر حين دخل بيت المقدس سأل كعب الأحبار عن مكان الصخرة، فقال: ياأمير المؤمنين؛ أذرع من وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً فهي ثم. فذرعوا فوجدوها وقد اتخذها النصارى مزبلة، والغرض أنهم اتخذوا مكان قبلة اليهود مزبلة. استشار عمر كعباً أين يضع المسجد، فأشار عليه بأن يجعله وراء الصخرة، فضربه في صدره، وقال: يا ابن أم كعب، ضارعت اليهود! وأمر ببنائه في مقدم بيت القدس".
12. .
13. يؤكّد ابن اسحق في سيرته ما سبق: " سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول لِكَعْبٍ: أَيْنَ تَرَى أَنْ أُصَلِّي ؟ فَقَالَ: إِنْ أَخَذْت عَنِّي صَلَّيْت خَلْف الصَّخْرَة فَكَانَتْ الْقُدْس كُلّهَا بَيْن يَدَيْك؛ فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: ضَاهَيْت الْيَهُودِيَّة وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَة فَصَلَّى
14. ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَكَنَسَ الْكُنَاسَة فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاس؛ فَلَمْ يُعَظِّم الصَّخْرَة تَعْظِيمًا يُصَلِّي وَرَاءَهَا وَهِيَ بَيْن يَدَيْهِ كَمَا أَشَارَ كَعْب الْأَحْبَار؛ وَهُوَ مِنْ قَوْم يُعَظِّمُونَهَا حَتَّى جَعَلُوهَا قِبْلَتهمْ؛ وَلَكِنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَهُدِيَ إِلَى الْحَقّ! وَلِهَذَا لَمَّا أَشَارَ بِذَلِكَ؛ قَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر: ضَاهَيْت الْيَهُودِيَّة! وَلَا أَهَانَهَا إِهَانَة النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا قَدْ جَعَلُوهَا مَزْبَلَة مِنْ أَجْل أَنَّهَا قِبْلَة الْيَهُود؛ وَلَكِنْ أَمَاطَ عَنْهَا الْأَذَى وَكَنَسَ عَنْهَا الْكُنَاسَة بِرِدَائِهِ " ( سيرة ابن إسحاق 104 ).
15. اما كيف عرف كعبا جغرافية المكان الذي ادعى انه من التوراة فيروي فضل الله العمر في كتابه مسالك الابصار في ممالك الامصار الصفحة 41 " أن كعبا قدم إيليا فَرَشَا "حبرا" من أحبار يهود بضعة عشر دينارا على أن دله على الصخرة التي قام عليها سليمان بن داود لما فرغ من بناء المسجد. وصلّى مما يلي ناحية باب أسباط. فقال كعب: قام سليمان بن داود على هذه الصخرة ثم استقبل بيت المقدس كله " .
16. ذكر محمد بن عبد المنعم الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار صفحة 71 تفاصيل هامة: " وسخر عمر رضي الله عنه أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس، وكانت فيه مزبلة عظيمة، وجاء عمر رضي الله عنه ومعه كعب فقال: يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة? فقال: اذرع من الحائط الذي يلي موضع كذا، كذا وكذا ذراعاً ثم احفر فإنك تجدها، قال: وهي يومئذ مزبلة، فحفروا فظهرت، فقال عمر رضي الله عنه لكعب: أين ترى أن نجعل قبلة المسجد؟ قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليهما وسلم، قال: ضاهيت اليهود يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها. قال: فبنى القبلة في مقدم المسجد، ثم بنى عبد الملك بن مروان مسجد بيت المقدس سنة سبعين، وحمل إلى بنيانه خراج مصر سبع سنين، وبنى القبة على الصخرة " .
17. يقدّم لنا أبو عبيد البكري تفاصيل أخرى : " ثم تغلبت ملوك غسان على الشام بتمليك ملوك الروم لهم ودخولهم في نصرانيتهم إلى أن جاء الله بالإسلام، وملك الشام منهم جبلة بن الأيهم، ففتح الله الشام على المسلمين زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان أبو عبيدة قد كتب إلى بطارقة إيليا يدعوهم إلى الإسلام أو أداء الجزية فانتووا عليه، فنزل عليهم وحاصرهم حصارا شديدا، فلما رأوا ذلك سألوه الصلح على الجزية، فأجابهم إلى ذلك. قالوا: فأرسل إلى خليفتك عمر فيكون هو الذي يعطينا العهد ويكتب لنا الأمان فانا لا نرضى إلا به، فاستوثق منهم أبو عبيدة بالأيمان المغلطة إن قدم أمير المؤمنين فأعطاهم الأمان ليقبلوا ذلك منه]، وخاطب عمر -رضي الله عنه- بما دعوا إليه وباستيثاقه منهم، قال: ثم سار عمر. فخرج إليه أبو الجعيد فصالحه، وكتب لهم عمر كتابا أمنهم فيه على أنفسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم وكنائسهم واشترطوا أن لا يساكنهم اليهود فيها. فلما قبضوا كتاب الصلح فتحوا للمسلمين أبواب إيليا، فدخل عمر -رضي الله عنه- والمسلمون معه، وسخر عمر -رضي الله عنه- أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس وكانت فيه مزبلة عظيمة.
18. وجاء عمر ومعه كعب فقال: يا أبا أسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال اذرع من الحائط الذي يلي وأدي جهنم كذا وكذا ذراعا ثم احضر فانك تجدها. قال: وهي يومئذ مزبلة، قال فحفروا فظهرت، فقال عمر لكعب: أين ترى أن تجعل قبلة المسجد. قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد (صلى الله عليه وسلم). قال: يا أبا إسحاق: ضاهيت اليهود، خير المساجد مقدمها. قال: فبنى القبلة في مقدم المسجد " ( المسالك والممالك، أبو عبيد البكري، 125).
19. هنا يبرز سوال فبالرغم من شك عمر الواضح في تصرفات كعب اليهودية التي لا لبس فيها، فهو اختار أن يسأله عن موضع الصخرة "ويستشيره" في شأن بناء المسجد، مسجد عمر.
20. السؤال: كيف استطاع كعب أن يكون له هذا الدور في عهد عمى ؟ والجواب لقد استطاع كعب، بذكائه الحاد وثقافته اليهودية العميقة، أن يلبي غرور عمر عن طريق اختلاق أحاديث عن أنبياء يهود تنبأوا بأن "الفاروق سينقي أوري شلم مما هو فيها". لكن كل من له معرفة كافية بالشرعين اليهوديين، المكتوب والشفوي، تنفي تماماً حكايا كعب المختلفة تلك. مثلاً: إرسال نبي إلى القدس ليخبرها بمجيء عمر! يقول الطبري،"ثم قام (عمر) من مصلاه إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل؛ فلما سار إليهم أبرزوا بعضها، وتركوا سائرها، وقال: يا أيها الناس! اصنعوا كما أصنع! وجثا في أصلها (...) فسمع التكبير خلفه، وكان يكره سوء الرِّعة في كل شيء، فقال: ما هذا؟ فقال (بعضهم): كبّر كعب وكبّر الناس بتكبيره!فقال: عليَّ به! فأُتي به، فقال (كعب): يا أمير المؤمنين، إنه قد تنبأ على ما صنعت الروم نبي منذ خمسمئة سنة! فقال (عمر): وكيف؟ فقال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم، فدفنوه، ثم أديلوا عليهم، فلم يفرغوا له حتى أغارت عليهم فارس فبغوا على بني اسرائيل، ثم أديلوا الروم عليهم إلى أن وليت، فبعث الله نبياً على الكناسة، فقال: أبشري أوري شلم (القدس)! عليك الفاروق ينقيك مما فيك؛ وبعث إلى القسطنطينية نبي، فقال: يا قسطنطينية! مافعل أهلك ببيتي! أخربوه وشبهوك كعرشي! وتأولوا علي! فقد قضيت أن أجعلك جلحاء (خالية من الشجر) يوماً ما، لا يأتي إليك أحد" . وبعث إلى القسطنطينية نبي فقام على تلها فقال يا قسطنطينية ما فعل أهلك ببيتي أخربوه وشبهوك كعرش وتأولوا على فقد قضيت عليك أن أجعلك جلحاء يوما ما لا يأوى إليك أحدا ولا يستظل فيك علي أيدي بني القاذر وسبإ وودان فما أمسوا حتى ما بقي منه شئ وعن ربيعة الشامي بمثله وزاد أتاك الفاروق في جندي المطيع ويدركون لأهلك بثأرك في الروم "
21. تنبؤ نبي على ماصنعت الروم قبل خمسمئة سنة من وصول عمر إلى القدس! إرسال نبي إلى القسطنطينية، ينذرها بأن الله سيجعلها جلحاء، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. لقد استغل كعب جهل العرب بثقافات الآخرين فكان يختلق من الأخبار والأحاديث، وينسبها إلى كتب اليهود المقدسة، دون أدنى دليل - وكانوا يصدقونه، لأنه لا يوجد فيهم من اطلع، أو بشكل أدق، سمح له بالاطلاع، على تلك الكتب.
22. ادعاء وجود عمر في التوراة، (فأتى كعب وقال لعمر إنه قد تنبأ على ما صنعته اليوم نبي من خمسمئة سنة. قال عمر: وكيف؟ قال كعب: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأُديلوا عليهم، فدفنوا المعبد بالكناسة إلى أن وليت بالخلافة. فبعث اللَّه نبياً على الكناسة (هو كعب حتماً)، فقال النبي: أبشري أورشليم عليك الفاروق، ينقيك مما فيك)
23. محاولة عمر منع كعب من نشر إسرائيلياته كانت المؤشر على ان عمر يجب ان يرحل لانه اصبح حجر عثرة امام مشروع كعب يقول عبد الوهَّاب النجارفي كتابه ( الخلفاء الراشدون ) الصفحات 252-253 : «كان كعب الأحبار يهودياً، رأى الإسلام يعلو.. فأسلم لشيئين: أولهما أنه رأى اليهودية تضمحل أمام الإسلام، وأن التظاهر بالإسلام يكسبه عزاً.. وثانيهما أن الرجل من اليهود أهل الكتاب.. وفي أسفار التوراة من المعميَّات والألغاز ما لا يمكن أن يفقهه العرب.. فهي إذن مجال فسيح للكذب يلقيه إلى المسلمين ليفسد عليهم أمرهم. ويُعمي عليهم سبيل الهدى... والرجل قد أفاض على المسلمين ثروة واسعة من الإسرائيليات.. وكان يسند كلامه إلى التوراة، والتوراة خالية مما كان يموِّه به على الناس. وهذه التوراة بين أيدينا نقرؤها وليس فيها شي‏ء مما كان يقوله هذا الرجل لمعاصريه. وهو بالأساطير أشبه " .
24. ويتهم عبد الوهاب النجار في كتابه المشار اليه صراحة كعب الاحبار بالمشاركة في قتل عمر بقوله (إن حكاية إخبار كعب بمصرع عمر.. لا تبقي عند الواقف عليها شكًّا في أن هذا الرجل كان واقفاً على ما دبَّره أبو لؤلؤة وأن خطة السير للوصول إلى قتله كان كعب الأحبار عارفاً بها واقفاً عليها وقوفاً تاماً، وإنما أراد بإخبار عمر على هذا النحو (النبوءة) أن تزيد منزلته عند المسلمين، وتكون رواياته أكثر قبولاً. ولو وجد محقق ذكي لما نجا كعب من النكال. ولعد شريكاً للجاني»
25. ورواية قتل عمر كما وردت في صحيح البخاري طبعة دار ابن كثير - دمشق بيروت ،1423 – 2002 ،كتاب فضائل الصحابة باب البيعة والاتفاق على عثمان ابن عفان وفيه مقتل عمر الحديث 3700 الصفحة 910 "قال عمرو بن ميمون: إني لقائم (في الصف ينتظر صلاة الفجر)، ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب، وكان إذا مرّ بين الصفين، قال استووا، فإذا استووا ، تقدّم فكبّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني -أو أكلني- الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحد يمينًا ولا شمالًا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنسًا، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه -للصلاة بالناس، فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرُون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء، فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع (يشير إلى غلام المغيرة بن شعبة، أبو لؤلؤة فيروز)، قال: نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفًا، الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك -يريد العباس وابنه عبد الله- تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقًا، فقال عبد الله إن شئت، فعلت، أي: إن شئت قَتَلنا. قال: كذبت -أي أخطأت- بعدما تكلموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجوا حجّكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فأُتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثمّ أتي بلبن فشربه فخرج من جُرْحه، فعلموا أنه ميت."
26. هنا يجب ان نوضح احد محاولات التعمية على الحادث فابو لؤلؤة الذي قالوا عنه (مجوسي ) كان بحسب الطبري وابن الاثير كان أبو لؤلؤد (نصراني ) كما يروي الطبري في كتابة تاريخ الرسل والملوك ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة دار المعارف ، سنة 1387 – 1967 ، الجزء الرابع الصفحة 190 .
27. يروي ابن الاثير في كتابه ، الكامل في التاريخ ،طبعة دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1407 – 1987 ، الجزء الثاني الصفحة 446 ان أبو لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب لم يكن مجوسيا وإنما كان نصرانيا حيث قال "عن المسور بن مخرمة قال: “خرج عمر بن الخطاب يطوف يوما في السوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا ”
28. وذكر الطبري نفس الرواية قائلا “خرج عمر بن الخطاب يوما يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا”.
29. يذكر ابن الاثير في كتابه الكامل في التاريخ " ثم انصرف عمر إلى منزله ، فلما كان الغد جاءه كعب الأحبار فقال له : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنك ميت في ثلاث ليال . قال : وما يدريك ؟ قال : أجده في كتاب التوراة . قال عمر : [ آلله ! إنك ] لتجد عمر بن الخطاب في التوراة ؟ قال : اللهم لا ولكني [ ص: 428 ] أجد حليتك وصفتك وأنك قد فني أجلك . قال : وعمر لا يحس وجعا ! فلما كان الغد جاءه كعب فقال : بقي يومان . فلما كان الغد جاءه كعب فقال : مضى يومان وبقي يوم . فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت كبر ، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته ، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه ، وقتل جماعة غيره ."
30. جريمة قتل، كعب الآثم الأوَّل فيها، وإلا فكيف عرف موت عمر وحدَّده باليوم والليلة والساعة، حتى أنه حدَّد صلاة من خمس صلوات هي الصبح. يذكر ابن الاثير " ودخل كعب الأحبار مع الناس فلما رآه عمر قال :
توعدني كعب ثلاثا أعدها ولا شك أن القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت ، إني لميت ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
31. والذي يعرف العربية يجد ان معنى (توعدني ) تعني هددني كما جاء في معجم المعاني الجامع ( وَعَّدَ: ( فعل) توعَّدَ يتوعَّد ، توعُّدًا ، فهو مُتوعِّد ، المفعول مُتوعَّد توعَّد فلانًا :هدَّده وخوَّفَه بالعقوبة
32. وما يؤكد المؤامرة ان أبو لؤلؤة فيروز هو عم " عبد الله ابن ذكوان " مولى بني امية والذي اصبح بعد ذلك " فقيه المدينة وامير المؤمنين في الحديث" حيث يروي الذهبي في كتابه "المختصر في الرجال " "عبد الله بن ذكوان أبو عبد الرحمن هو الإمام أبو الزناد المدني مولى بني امية ، وذكوان هو أخو أبو لؤلؤة قاتل عمر ، ثقة ثبت روى عنه مالك والليث والسفيانان . مات فجأة في شهر رمضان سنة 131 " .
33. كما ذكره في الطبقة الرابعة من اعلام النبلاء في كتابه المعنون " سير أعلام النبلاء - السيرة النبوية - سيرة الخلفاء الراشدين " تحقيق شعيب الأرناؤوط وبشار معروف وآخرون ، منشورات مؤسسة الرسالة 1402 – 1982 ، الجزء الخامس الصفحة 445 بقوله "ابو الزناد عبد الله بن ذكوان الإمام الفقيه الحافظ المفتي أبو عبد الرحمن القرشي المدني ، ويلقب بأبي الزناد ، وأبوه مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة زوجة الخليفة عثمان ، وقيل : مولى عائشة بنت عثمان بن عفان ، وقيل : مولى آل عثمان ، ذكوان كان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر . قاله أبو داود السجزي ، عن أحمد بن صالح .
والبقية في الجزء الثالث

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا لايسمح للعراق ان يصبح جزء من طريق الحرير الجديد

أكاذيب لابد من كشفها 4 – اكذوبة صلوا كما رايتموني اصلي

أكاذيب لابد من كشفها 3- اكذوبة زواج عثمان من بنات رسول الله

ما لم يذكره اسامة انور عكاشة

التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق-2

أكاذيب يجب ان يتم كشفها 3 – ابن حنبل ومحنة خلق القران

انتقام قريش من الأنصار

التطور التاريخي لقانون الأحوال الشخصية العراقي

موقع العراق من استراتيجيات الصراع الدولي